غزة تشعل الشرارة : " اعتصامات الطلاب بأمريكا تتطلع للتغيير"

{title}
صوت الحق -  


د . نعيم الملكاوي 

في ظل تصاعد الأحداث الدائرة بغزة ، بدأت موجة جديدة من الاعتصامات الطلابية والاكاديمية تجتاح الجامعات الأمريكية ، في مشهد يذكرنا بالحراك الطلابي الذي شهدته هذه الجامعات خلال الحرب الأمريكية على فيتنام خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، تشبهها في الطابع والحدة . هذه الاعتصامات التي تعتبر الأولى من نوعها منذ عقود ، اتت استجابةً للأحداث الجارية في غزة ، تُبرز تأثير القضايا العالمية على الشباب الأمريكي وقد تشكل تحولاً في النشاط الطلابي على مستوى العالم مما يعكس حالة من حالات تطور الوعي الفكري و الانساني لدى هذه الفئات . هذه الاعتصامات تتسم بطول مدتها وشدتها ، وتتخطى مدتها لأشهر عديدة في بعض الحالات ، كما هو الحال في جامعة ستانفورد التي شهدت اعتصاماً مستمر منذ اكثر من 120 يوماً ، حيث طالب الطلاب الجامعة بإدانة ما يرونه انتهاكات وتنفيذ مبادرات نزع وايقاف الاستثمارات المتعلقة بالصراع .
على الرغم من التحديات الإدارية التي واجهتها هذه الحركات ، بما في ذلك العقوبات والفصل في بعض الحالات ، استمرت الحركة ، مما يظهر التزاماً بالاحتجاج المستمر الذي لم يُشهد منذ عصر الحرب الامريكية على فيتنام . 
تطور الأحداث :
الاعتصامات بدأت بمجموعات صغيرة من الطلاب المنظمين الذين تجمعوا للتعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة ، وسرعان ما توسعت لتشمل الآلاف من الطلاب في عدة جامعات كبرى مثل جامعة هارفارد ، كاليفورنيا بيركلي وجامعة بوسطن . هذه الاعتصامات تُظهر القلق العميق والرغبة في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية ودعم حقوق الإنسان لدى المجتمع الاكاديمي والطلابي .

التأثيرات والمخاطر:

١ . التأثير على المجتمع الطلابي :  الاعتصامات تعزز من وعي الطلاب بالقضايا الدولية ، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى انقسامات داخل الحرم الجامعي بين مؤيدين ومعارضين للقضية الفلسطينية . تتعدد تداعيات هذه الاحتجاجات ؛  فمن ناحية ، خلقت بيئة من الانخراط السياسي والنقاش داخل الحرم الجامعي ، مما أدى إلى تغيير جذري في البيئة الجامعية بالنسبة للنقاشات حول فلسطين لم تكن موجودة اصلاً بل كان يسيطر الاعلام الاميركي على توجيه المواطن وحصره تحت مضلة العداء للسامية لابعادهم عن التفكير في اي جانب اخر واعتبار بقية الاحداث بأنها ناتجة عن حركات ارهابية ومعادية للسامية وصلت الى حد التجريم القضائي . 

٢ . التحديات الأمنية :  مع تزايد عدد المشاركين ، قد تواجه الجامعات تحديات في ضمان الأمن والسلامة ، خاصة إذا تخللت الاحتجاجات مواجهات أو تدخل الشرطة . من ناحية أخرى ، أثارت هذه الاحتجاجات جدلاً حول معاداة السامية ، مما أدى إلى حوار معقد حول حرية التعبير وأمان الطلاب اليهود في الحرم الجامعي ، مع ان بعض الطلاب اليهود انضموا للاعتصامات .

٣ . الانتشار العالمي :  نظراً للتأثير الكبير للثقافة الأمريكية ووسائل الإعلام المسيطر عليها ، قد تنتقل هذه الظاهرة إلى الجامعات الأوروبية وغيرها حول العالم كما حدث اليوم امام جامعة السوربون الفرنسية ، مما يؤدي إلى موجة عالمية من النشاط الطلابي المرتبط بالقضايا السياسية والإنسانية المرتبطة بحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني وما يدور في غزة ، بالإضافة إلى قوة وسائل التواصل الاجتماعي ، قد يسهل بالفعل استجابة دولية أوسع مماثلة لما شوهد في الولايات المتحدة ونرى انتشاراً لهذه الظاهرة لتصبح حالة من حالات الضغط على الادارات السياسية لاتخاذ مواقف اكثر انسانية .

٤ . التأثير على السياسة والمجتمع : فعالية هذه الاحتجاجات ، تأثيرها على سياسات الجامعات ، وقدرتها على إلهام حركات مماثلة عالمياً ستعتمد على عدة عوامل بما في ذلك استجابة إدارات الجامعات ، الأجواء السياسية ، وقدرة المنظمين على الحفاظ على الزخم دون استبعاد حلفاء محتملين وتوسيع دائرة التعبير .

في ظل السياق التاريخي للحركات الشعبية والاعتصامات الطلابية ، تكتسب الاحتجاجات الحالية أهمية بالغة ، فهي لا تشكل فقط نقطة تحول في النشاط الطلابي داخل الجامعات الأمريكية ، بل تمتد لتؤثر على النقاشات الأوسع حول النزاعات العالمية والمطالبات بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان . 
هذه الاعتصامات، التي بدأت كرد فعل على الأحداث في غزة ، قد تتحول إلى لحظة فارقة تؤثر على السياسات وتحرك الرأي العام ، مما قد يقود إلى تغييرات جذرية في كيفية تعامل الحكومات والمجتمعات مع قضايا العدل والإنصاف .
إن ديناميكية هذه الاعتصامات ، التي تنمو ككرة ثلج تدحرجت من علٍ ، تحمل في طياتها إمكانية تحقيق تأثيرات بعيدة المدى ، لا سيما في قدرتها على إلهاب الرأي العام والتأثير المباشر على صناع القرار في إعادة صياغة التفكير في بعض الملفات الانسانية . 
هذه اللحظة الحاسمة قد تصبح نقطة تحول ، ليس فقط لصالح المجتمع الطلابي والأكاديمي الأمريكي ، بل قد تمتد جذورها عبر الأطلسي، لتُلهم حركات مماثلة على الصعيد العالمي ، تضع العدالة للفلسطينيين في صميم المطالب العالمية للعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان ووقف العنف الممارس ضدهم .