الهموم الاقتصادية توحد اللبنانيين
فهد الخيطان
اللعبة السياسية والديمقراطية في لبنان محصنة بطوقين صلبين؛طوق الأحزاب وطوق الطوائف.ديمقراطية حزبية راسخة ومتينة قائمة على المحاصصة الطائفية.
يسهل في العادة أن تتمرد الجماهير على الأحزاب، خاصة في عالمنا العربي. تجربة الحزب الحاكم سقطت في كل الدول العربية تقريبا.لكن الروابط الطائفية أشد بأسا وقوة من سواها، والأحزاب اللبنانية تستمد قوتها وشرعيتها من تمثيلها الطائفي.
معادلة حكمت البلاد لعقود طويلة، لكن حتى هذه أصبحت في مهب الريح.الجماهير التي تدفقت إلى الشوارع في لبنان تمثل مختلف الطوائف. من سنين طويلة لم نشهد تجمعا شعبيا في لبنان عابرا للطوائف كالذي نشهده هذه الأيام.
عمليا الناس تمردوا على طوائفهم وزعاماتها، على نحو هز عروش القيادات التاريخية للمكونات الطائفية. الهتافات والتعليقات القاسية طالت جميع الزعماء، خاصة من هم في الحكم.السيد حسن نصرالله زعيم حزب الله أقل من طالته الانتقادات، لكن بعد خطابه أول من أمس لم ترحمه الجماهير المحسوبة على الحزب وقاعدته الطائفية.
مرة واحدة ولانقول بدون سابق إنذار، وجدت القوى الطائفية المتحكمة باللعبة السياسية في لبنان نفسها في مواجهة مفتوحة وغير مسبوقة مع قواعدها الاجتماعية. لسنوات مضت كانت المعادلة الطائفية قادرة على احتواء الأزمات، ومقاربة الصراعات مادامت ضمن لعبة الطوائف. لكن ما إن كسر اللبنانيون القوالب الطائفية، وقف الجيل التاريخي من السياسيين اللبنانيين عاجزين عن معالجة الموقف المتدهور، يحاولون بكل السبل مداراة الجماهير الغاضبة وتهدئة خواطرها بحلول وبرامج فورية تعالج اوجاعهم الاقتصادية والمعيشية.
الخطاب السياسي التقليدي لقوى المقاومة ومحور الخليج وسواها من المحاور الدولية والإقليمية في لبنان، لم يفلح في امتصاص نقمة الجماهير على ما سموها بالطبقة الفاسدة والعهد برمته.
الاقتصاد وليس أي شيء سواه هو الذي دفع بالجماهير إلى التمرد على قواعد اللعبة الطائفية وديمقراطية المحاصصة. لا مناخ الحريات والتنوع كان نافعا في تعويض الناس عن حاجاتهم المعيشية ولا اقتصاد الطوائف كان كافيا لسد الثغرات الهائلة في المنظومة الاجتماعية التي شهدت تدهورا مريعا في السنوات الأخيرة، بعد أن سجلت ديون لبنان معدلات قياسية عالمية لامثيل لها في الشرق الأوسط.
واللافت في شعارات الانتفاضة اللبنانية، أن قاسمها المشترك مطلب تردد مئات المرات في الشارع وهو إعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة عسكرية يقودها الجيش اللبناني. الثقة الشعبية بالجيش أقوى بأضعاف مضاعفة من ثقة الناس بالأحزاب والديمقراطية والطوائف.
في بلد متنوع وعلماني مثل لبنان يغدو لافتا بحق أن يكون مطلب الجماهير في الشوارع حكومة عسكرية، تنصف الشعب وتعيد الحقوق المسلوبة، وتصنع العدالة الاجتماعية.
خلاصة الحالة اللبنانية، أن الديمقراطية لاتجدي مع الجوع، وأن الأحزاب والانتخابات والبرلمانات لاقيمة لها إذا لم تتحقق العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة للشعوب.
قبل أسابيع قليلة تلقينا درسا مشابها من العراق، الذي يشاطر لبنان نفس السمات الديمقراطية والطائفية.