أنت معي.. إذا أنت موجود!
الاختلاف في الرأي لا يعني أن نربي عداوات قائمة على فصل عمودي في المجتمع. هذا الأمر صار يؤرق كثيرا من المتواصلين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بحيث أصبح الإدلاء بالفكرة أو الاهتمام، والاختلاف معهما في مجتمع متنمر إلكترونيا، ومستعد في أي لحظة أن ينقض عليك لعدم التطابق، شيئا مستفزا بل ومخيفا أيضا!
تابوه الدين والسياسة والجنس، تم اختراقه منذ سنوات طويلة، بسبب انتشار تلك المواقع، ما خلق أجواء حوارية مفتوحة لم يكن بالإمكان التحصل عليها، قبل بروز الجرأة في الخوض والتجربة من قبل طليعيين في الفكر والعلم والرأي.
لكن التباين في وجهات النظر، شكل أرضية خصبة لتراجع الاستفادة من هذه الميزة الانفتاحية، لدرجة أن غالبية أصحاب الآراء والأفكار يخشون حرفيا من الخوض في تلك المواضيع الشائكة، لسهولة إطلاق الأحكام الجاهزة، واتباعها بحملات تشويه وملاحقة لا ترحم.
والمشكلة لو أن الذي “نال شرف” الرأي المضاد يكون “التي” وليس الذي! هنا يصبح وضع السيدة أو الفتاة مثل عروسة المولد في الشقيقة مصر العربية؛ الكل يستبيح الاقتراب منها، والكل يسعى لتقطيع أوصالها كي يتناوله ويحلي فيه فمه!
لماذا يستكثر البعض على الإناث أن يكون لديهن موقف مختلف عن موقفه الذكوري الخالص؟ هل يعتقد هؤلاء بأن وجهة النظر نحو موضوع ما يجب أن يصطف في طابوره المناسب؛ الذكوري والانثوي، وكأن الإدلاء بالرأي وامتلاك مبدأ معين والتفكير بالقضايا، مرتبط هرمونيا بجسم الإنسان، وأخلاقيا بمرجعيته البيئية.
حين تتحدث سيدة عن موقفها المناوئ لحرمان الفتيات من التعليم، أو تزويج القاصرات غصبا، أو تباين الأجور بين الرجال والنساء وغيرها الكثير من قضايا المرأة، فإن رد الفعل غير المحسوب يتمحور حول الانسلاخ من الدين والأخلاق والعرف والمجتمع! في حين لو أن المتحدث حول المواضيع نفسها كان رجلا، فإن الأمر لن يتجاوز مرحلة المعاتبة من بعيد.
وفي وجه آخر يمكن أن يدلي رجل أو شاب برأيه حول عناوين معينة، تعتبرها النساء خاصة جدا بهن، فإنه أيضا يقابل بموجة من السخرية و التسخييف، إن لم يكن بالهجوم والتقريع.
ليس المطلوب لأي من الطرفين، أن يثبت طوال الوقت بأنه منتم وغيور ومتفهم وغير منسلخ عن الواقع والمجتمع الذي يعيش فيه. فإبداء الملاحظات حول صور وقضايا ومنشورات، لا يعني بالضرورة إقصاء أصحابها لأنهم يفعلون ذلك باحترام.
يستثنى من هؤلاء طبعا المسيئون “عمال على بطال”، يصارعون طواحين الهواء من أجل أن يسجل لهم نقاط على أنهم مختلفون!
ليس علينا أن نتفق، فالاختلاف جوهر التحضر. لكن أن نجلد المختلفين معنا في الحياة اجتماعيا وفكريا وعقائديا، ويعبرون عن مبادئهم بالكلام والتعليقات والمحتوى المحترم، فهذا يجرنا إلى حضيض أخلاقي سيفرز بدون شك، مخرجات اجتماعية وسلوكية حتمية، يقودها الأشرار.