عن معيشة المواطن وكرامته

{title}
صوت الحق -




تفرض عليّ مهنتي كمحامٍ التواصل مع الطبقات كافّة ، غنيّها وفقيرها بسيطها و متعلّمها ، وأستطيع وزملائي أن نستشعر منسوب الوضع الإقتصاديّ على وجه الخصوص سلباً وإيجاباً صعوداً ونزولاً .

والحقيقة أنّنا نلمس عاماً بعد الآخر ، وفي عهد كلّ حكومةٍ تلي أختها أن التراجع الإقتصاديّ غير مسبوقٍ ولا معقول .

فصاحب المال إمّا قد هاجر أو أفلس أو في أحسن الظروف والأحوال إستودع البنك على أمواله إلى أجلٍ غير مُسَمّى ، و لم يَزدَد الفقير إلّا ضنكاً وعَوَزاً ، وبات إستقبال رسالة إلكترونيّة من شابٍّ أو فتاة أغراب يستنجدون فيها ويستجدون العمل - أيُّ عمل - أمراً يوميّاً مألوفاً .

ذكر جلالة سيّدنا لدى ترؤسه مجلس الوزراء مؤخّراً أن المستثمر الأردنيّ والأجنبيّ ليسوا بمرتاحين ، و إنتقد جلالته الجمود في علاقة الحكومة مع القطاع الخاصّ و عشوائيّة بعض القرارات حتى بات يترأّس اللقاءات المشتركة بين القطاعين بنفسه ، كما أمر عندها الحكومة أن تشرح للناس أين نتّجه وما النتيجة المرجوّة من الإتّجاه ، ثمّ بعد ذلك ؛ تصرّح الحكومة بأنّ الأرقام الواقعيّة للضرائب التي أثقلت كاهل المواطن وجفّفت عروق البشر والشّجر والحجر ونَفَّرَت المُستثمر قد خالفت المتوقّع ولم تصل بنا إلى البَرِّ المنشود ! فماذا بعد ؟!

ولعلّ الجميع كان يوقن بهذه النتيجة الحتميّة إلّا الفريق الإقتصاديّ للحكومة ، وليس العبء عليه فقط بل على المجلس النيابيّ الذي يملك من الأدوات الدستورية ما يجبر الحكومات على تصويب مسارها إن ضَلَّت الطريق القويم .

هناك نظريّة إقتصاديّةٌ تبنّاها الرّئيس الأمريكيّ الأسبق " ريغان " مفادها أن خفض الضريبة يعظّم الإيراد ، ولعلّها قاعدةٌ طبيعيّةٌ لا تحتاج عقولاً إقتصاديّة فذّة في دولة شعبها مستهلكٌ شَرِهٌ كشعبنا ! ولعلّها نظريّةٌ كمّيّةٌ لا نوعيّةٌ أقرب إلى العدالة إذ يدفع الغنيُّ ضريبة تفوق تلك التي يدفعها الفقير الأقلّ إستهلاكاً ! فَلِمَ لا نُجرّبها ولو على سبيل التّأقيت لا التّأبيد ؟!

وإنّي إذ أكتب من وجعٍ بات مشهوداً بشكلٍ يوميّ ، فأجور العقار بالكاد تُحَصَّل وبِشَقِّ الأنفُس تُدفَع ، وحركة البناء وصلت إلى مرحلةٍ تاريخيّةٍ في التّراجُع متبوعةً بمصفوفةٍ كاملةٍ من القطاعات تدور معها وجوداً وعدماً ، ولأنّ حجم الإقتراض الشخصيّ بلغ سقفاً قياسيّاً في أموالٍ إقتُرِضَت كي تُسَدَّ بها الحاجاتُ لا لأن تُستَثمَر فتعود بالنّفع على البلاد ، ولأنّ حَمَلة الشّهادات أصبحوا يتمنّون العمل على سيّارة أُجرة ، وبات أحدهم كالقابض على جمرة ! عدا عن الشتاء المُكلف والذي ينتظره البعض بوَجَلٍ وقَلَقٍ المرّة تلو المرّة !

فإذا كانت الحكومة قد إستنفذت ما في جعبتها ، فلتمتلك الشجاعة لمصارحتنا ، فَمَن يقدِرُ على هذه فنِعِمّا هُو ، ومن لا يقدر فليكتفي بشرف المحاولة وبأجر إجتهاده وليترُك عسى أن يكون من غيره صاحبُ الأَجرَين ، من يجتهد فيُصيب .

فإزاء ما يعصف بمحيطنا القريب ، لابدّ من مصارحةٍ للذّات ، وإتّخاذ أجرأ القرارات ، فقد قالها الملك بالأمس " لم يعد هناك مجالٌ للتأخُّر أو التباطؤ في إتخاذ قرارات جريئة لمصلحة المواطن و كرامة معيشته " ، فماذا بعد ؟!

والله من وراء القصد