هل بدأ الأردن بالإفلات من قبضة صندوق النقد الدولي؟
صوت الحق -
دخل الأردن خلال الثلاثين عاما الماضية في سبعة برامج تصحيح اقتصادي (1989-2019)، أطبق خلالها صندوق النقد الدولي على الاقتصاد الأردني، وساهم في صياغة قوانين اقتصادية، كضريبة الدخل والمبيعات، في خطوة سلمت بها الأردن ولم تستطع رفضها.
"إسقاط نهج صندوق النقد الدولي" بات شعارا لا يفارق المحتجين الأردنيين في اعتصاماتهم ومسيراتهم، بعد أن شعر الأردنيون بأن الصندوق يقف وراء سحب دور الدولة من عملية الرعاية الاجتماعية للمواطنين، دون مراعاة لظروف المجتمع، وغياب العدالة في توزيع الدخل، وفرض للرسوم والضرائب على السلع والخدمات، على اعتبار أن دعم الدولة لخدمات وسلعة أساسية "تشوه اقتصادي".
ويتذكر الأردنيون في عام 2018 عندما احتج مئات المزارعين أمام مجلس النواب؛ للمطالبة بإعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي من الضرائب، ليطلب وزير الزراعة في حينها "ترتيب اجتماع للمزارعين مع صندوق النقد؛ لإقناعه بمطالبهم"، الأمر الذي يؤشر على سطوة الصندوق على الاقتصاد الأردني.
إلا أن مسؤولين أردنيين غيروا مؤخرا نبرتهم في مخاطبة الصندوق، وهم يهمون بمناقشة المراجعة الثالثة للاقتصاد الأردني التي تنتهي في آذار/ مارس المقبل.
وقال وزير المالية، عز الدين كناكرية، الثلاثاء الماضي، لصندوق النقد خلال المحادثات التي أجريت مع بعثة الصندوق في واشنطن، إن "الأردن لن يوافق على مقترحات لا تتوافق مع مصالحه الوطنية"، بينما قال وزير التخطيط والتعاون الدولي، محمد العسعس، الأربعاء الماضي، لكبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي بينالوبي جولدبيرغ، إن "النمو الاقتصادي وخلق الوظائف هو الطريق الوحيد لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، وليس خنق الاقتصاد والتضييق عليه".
وعن سر تخلي الأردن عن لغة الدبلوماسية مع الصندوق، يقول الرئيس السابق لجمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين، محمد البشير، في حديث لـ"عربي21"، إن "رفض نهج الصندوق والبنك الدولي أصبح موقفا شعبيا، ليس في الأردن وحده، إنما في دول تشهد مظاهرات، كما هو الحال في لبنان، والعراق، ومصر، والحديث المشبوه عن دور الصندوق، وفي الأردن دخلنا في سبعة برامج تصحيح، لم يتحقق أي هدف منها، بل إن الوضع الاقتصادي نحو الأسوأ".
ويعتقد البشير أن "من أهم الأسباب وراء عدم قدرة الحكومات على تحقيق النمو الاقتصادي يتمثل في السياسات الضريبية التي تمحورت على زيادة الضرائب غير المباشرة، والتي أدت إلى زيادة تكاليف الإنتاج، والمساهمة في حالة الانكماش الاقتصادي".
وصفات صعبة
ويتحدث مسؤولون أردنيون عن وصفات قاسية طلبها صندوق النقد في الأردن، يصعب على الحكومة تنفيذها، تتمثل في تخفيض عدد موظفي الديوان الملكي، وتخفيض الإنفاق العسكري والأمني، حسب ما كشف عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، د. موسى الوحش.
يقول الوحش لـ"عربي21": "ما تحدث به وزير التخطيط عن تحفيز النمو كلام جميل، لكنه غير وارد في الميزانية، وخير دليل إيقاف الحكومة لبند الإنفاق على المشاريع الرأسمالية، أعتقد أن اختلاف نبرة المسؤولين الأردنيين تجاه الصندوق لها علاقة بما يدور في المنطقة، وتحديدا في لبنان، بالإضافة إلى الحالة في الوسط الأردني، التي أقالت حكومة الملقي على خلفية قانون ضريبة الدخل".
ويحذّر الوحش من طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة "تخفيض الإنفاق على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، دون الالتفاف للأثر الاجتماعي، بل يبحث عن كيفية توفير النقود، لكن الحكومة لن تجرؤ على تطبيق ذلك".
وحسب الوحش، فإن "رئيس الوزراء الحالي، عمر الرزاز، لم يأت بجديد يختلف عن نهج الملقي، وبقيت الحالة الشعبية محتقنة، وضاقت على الحكومة السبل في فرض الضرائب، وصلنا إلى مرحلة لم تعد الناس تحتمل بها، الحكومات كانت تتجه نحو السياسية الضريبة التي لم تعد تجدي، قادتنا هذه السياسة إلى الركود، وقلصت من السيولة لدى الشركات والناس".
يبين الوحش أن "الحكومة بحاجة إلى مبلغ 500 مليون دينار للعام المقبل، لمواجهة الإنفاق الجاري، الذي تعجز عن ضبطه، وهذا فشل للسياسات الاقتصادية".
وحسب إحصائيات وزارة المالية الأردنية، تخطى الدين العام حاجز 40.36 مليار دولار، وسط تحد كبير يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، التي وصلت إلى 18.6%، على وقع نمو اقتصادي متواضع لم يتجاوز 1.8 بالمئة، حسب دائرة الإحصاءات العامة.
المحلل الاقتصادي مازن مرجي، يعتبر في حديث لـ"عربي21" أن تصريحات الوزراء الأردنيين خلال لقاءاتهم في واشنطن مع بعثة صندوق النقد الدولي "تدلل على فشل السياسات الضريبية التي لجأت إليها الحكومة"، مشيرا إلى "عدم جدوى هذه الحلول، خاصة في حالات الركود وتباطؤ النمو الاقتصادي".
وأعلنت الحكومة الأردنية، مساء الأربعاء، في اجتماع لمجلس الوزراء ترأسه الملك عبدالله الثاني، عن إجراءات وقرارات ستتخذها، تقع ضمن أربعة محاور رئيسة، هي: زيادة الأجور والرواتب، وتنشيط الاقتصاد، وتحفيز الاستثمار، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، والإصلاح الإداري والمالية العامة.. فهل يفلت الاقتصاد الأردني من قبضة صندوق النقد؟
عربي 21
"إسقاط نهج صندوق النقد الدولي" بات شعارا لا يفارق المحتجين الأردنيين في اعتصاماتهم ومسيراتهم، بعد أن شعر الأردنيون بأن الصندوق يقف وراء سحب دور الدولة من عملية الرعاية الاجتماعية للمواطنين، دون مراعاة لظروف المجتمع، وغياب العدالة في توزيع الدخل، وفرض للرسوم والضرائب على السلع والخدمات، على اعتبار أن دعم الدولة لخدمات وسلعة أساسية "تشوه اقتصادي".
ويتذكر الأردنيون في عام 2018 عندما احتج مئات المزارعين أمام مجلس النواب؛ للمطالبة بإعفاء مدخلات الإنتاج الزراعي من الضرائب، ليطلب وزير الزراعة في حينها "ترتيب اجتماع للمزارعين مع صندوق النقد؛ لإقناعه بمطالبهم"، الأمر الذي يؤشر على سطوة الصندوق على الاقتصاد الأردني.
إلا أن مسؤولين أردنيين غيروا مؤخرا نبرتهم في مخاطبة الصندوق، وهم يهمون بمناقشة المراجعة الثالثة للاقتصاد الأردني التي تنتهي في آذار/ مارس المقبل.
وقال وزير المالية، عز الدين كناكرية، الثلاثاء الماضي، لصندوق النقد خلال المحادثات التي أجريت مع بعثة الصندوق في واشنطن، إن "الأردن لن يوافق على مقترحات لا تتوافق مع مصالحه الوطنية"، بينما قال وزير التخطيط والتعاون الدولي، محمد العسعس، الأربعاء الماضي، لكبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي بينالوبي جولدبيرغ، إن "النمو الاقتصادي وخلق الوظائف هو الطريق الوحيد لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، وليس خنق الاقتصاد والتضييق عليه".
وعن سر تخلي الأردن عن لغة الدبلوماسية مع الصندوق، يقول الرئيس السابق لجمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين، محمد البشير، في حديث لـ"عربي21"، إن "رفض نهج الصندوق والبنك الدولي أصبح موقفا شعبيا، ليس في الأردن وحده، إنما في دول تشهد مظاهرات، كما هو الحال في لبنان، والعراق، ومصر، والحديث المشبوه عن دور الصندوق، وفي الأردن دخلنا في سبعة برامج تصحيح، لم يتحقق أي هدف منها، بل إن الوضع الاقتصادي نحو الأسوأ".
ويعتقد البشير أن "من أهم الأسباب وراء عدم قدرة الحكومات على تحقيق النمو الاقتصادي يتمثل في السياسات الضريبية التي تمحورت على زيادة الضرائب غير المباشرة، والتي أدت إلى زيادة تكاليف الإنتاج، والمساهمة في حالة الانكماش الاقتصادي".
وصفات صعبة
ويتحدث مسؤولون أردنيون عن وصفات قاسية طلبها صندوق النقد في الأردن، يصعب على الحكومة تنفيذها، تتمثل في تخفيض عدد موظفي الديوان الملكي، وتخفيض الإنفاق العسكري والأمني، حسب ما كشف عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، د. موسى الوحش.
يقول الوحش لـ"عربي21": "ما تحدث به وزير التخطيط عن تحفيز النمو كلام جميل، لكنه غير وارد في الميزانية، وخير دليل إيقاف الحكومة لبند الإنفاق على المشاريع الرأسمالية، أعتقد أن اختلاف نبرة المسؤولين الأردنيين تجاه الصندوق لها علاقة بما يدور في المنطقة، وتحديدا في لبنان، بالإضافة إلى الحالة في الوسط الأردني، التي أقالت حكومة الملقي على خلفية قانون ضريبة الدخل".
ويحذّر الوحش من طلب صندوق النقد الدولي من الحكومة "تخفيض الإنفاق على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، دون الالتفاف للأثر الاجتماعي، بل يبحث عن كيفية توفير النقود، لكن الحكومة لن تجرؤ على تطبيق ذلك".
وحسب الوحش، فإن "رئيس الوزراء الحالي، عمر الرزاز، لم يأت بجديد يختلف عن نهج الملقي، وبقيت الحالة الشعبية محتقنة، وضاقت على الحكومة السبل في فرض الضرائب، وصلنا إلى مرحلة لم تعد الناس تحتمل بها، الحكومات كانت تتجه نحو السياسية الضريبة التي لم تعد تجدي، قادتنا هذه السياسة إلى الركود، وقلصت من السيولة لدى الشركات والناس".
يبين الوحش أن "الحكومة بحاجة إلى مبلغ 500 مليون دينار للعام المقبل، لمواجهة الإنفاق الجاري، الذي تعجز عن ضبطه، وهذا فشل للسياسات الاقتصادية".
وحسب إحصائيات وزارة المالية الأردنية، تخطى الدين العام حاجز 40.36 مليار دولار، وسط تحد كبير يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة، التي وصلت إلى 18.6%، على وقع نمو اقتصادي متواضع لم يتجاوز 1.8 بالمئة، حسب دائرة الإحصاءات العامة.
المحلل الاقتصادي مازن مرجي، يعتبر في حديث لـ"عربي21" أن تصريحات الوزراء الأردنيين خلال لقاءاتهم في واشنطن مع بعثة صندوق النقد الدولي "تدلل على فشل السياسات الضريبية التي لجأت إليها الحكومة"، مشيرا إلى "عدم جدوى هذه الحلول، خاصة في حالات الركود وتباطؤ النمو الاقتصادي".
وأعلنت الحكومة الأردنية، مساء الأربعاء، في اجتماع لمجلس الوزراء ترأسه الملك عبدالله الثاني، عن إجراءات وقرارات ستتخذها، تقع ضمن أربعة محاور رئيسة، هي: زيادة الأجور والرواتب، وتنشيط الاقتصاد، وتحفيز الاستثمار، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، والإصلاح الإداري والمالية العامة.. فهل يفلت الاقتصاد الأردني من قبضة صندوق النقد؟
عربي 21