كلام خطير في توقيت أكثر خطورة

{title}
صوت الحق - ماهر ابو طير

فتح النائب عبدالكريم الدغمي جبهة حرب، داخل البرلمان، حين اتهم مؤسسات المجتمع المدني في الأردن، بكونها فعليا واجهات تجسس، لجهات اجنبية، لها نشاطات داخل الأردن.

يقول النائب الدغمي “هناك 4 آلاف منظمة جاسوسية وهي منظمات غير ربحية ممولة أجنبيا تقوم بالتجسس على الوطن وتعرضنا في المحافل الدولية كوطن مبتلى بأمراض اجتماعية، فلماذا قامت مصر بتصنيفها كمؤسسات تخاطر مع مؤسسات أجنبية، ولماذا أغرقنا عليهم الحب”.

قال أيضا في جلسة مناقشة الثقة بحكومة الخصاونة “هناك مؤسسات غرست أنيابها بالمخيمات والعشائر وصنفتنا. أين مفهوم الدولة قانونيا وأخلاقيا، والساحة مقسمة كولاءات، فالنخبة الأردنية بغالبيتها تتعاطى مع وطننا كساحة تغرف منه المعلومات وتيسره للنفط والسفارات، ويتم تقديم أصحاب الولاءات الأجنبية”.

كلام النائب الدغمي خطير جدا، والمؤكد ان على الحكومة ان تخرج وترد هنا، هذا فوق ان منظمات المجتمع المدني وفقا لمنطوقه متهمة بالتجسس، ولا احد يعرف كيف سترد هذه المنظمات، هل سترد بشكل فردي، ام ان ذلك مستحيل، لان كل مؤسسة او شركة ستعتبر ان الكلام لا يخصها، وستترك حق الرد لطرف آخر، او لمن ” على رأسه بطحة” ، ام ان تحالفا سيتشكل على عجل، من اجل الرد على الكلام.

هذه ليست اول مرة، يتحدث فيها النائب الدغمي عن الخروقات، واقترابا منه تحدث ذاته قبل سنين، عن وجود تيار إسرائيلي في الأردن، له تأثيره وهذه المرة عاد الى ملف قريب حين تحدث عن اتفاقية الغاز مع إسرائيل مطالبا باللجوء الى التحكيم الدولي، بسبب الغبن في الاتفاقية، وهو هنا يستنبط هذا الاتجاه من ذهاب الحكومة الحالية الى التحكيم الدولي، في ملف العطارات، فالمبدأ واحد ومتاح، ولا يجوز ان يكون انتقائيا.

لا يمكن اعتبار كلام الدغمي، حدة طارئة، فهو أيضا نائب وازن، له خبرته السياسية والقانونية، وتأثير كلامه، يتجاوز كل محاولات النواب الجدد، شرب حليب السباع، بطريقة استعراضية، فمن هو امامنا اليوم، كان رئيسا لمجلس النواب، وفاز في انتخابات نيابية متعددة، وله خط سياسي، لا يمكن التشكيك فيه، بخصوص شخصيته القومية، ومشاعره تجاه فلسطين والعراق وسورية، وقبل كل شيء، الانتماء المؤكد الى الأردن، في جميع الظروف والاحوال، دون ان نتجاوز هنا مشاعر من يعرفونه عن قرب والذين يعتبرونه مظلوما من حيث عدم حصوله على مكانه الذي يفترض ان يحصل عليه، مقارنة بخبرته ومكانته أيضا، ربما بسبب عدم قبوله ان يديره احد، او يسيطر عليه احد، او ان يكون مجرد تابع لأحد.

غير ان اتهام كل مؤسسات المجتمع المدني، بالتجسس، يبدو حساسا جدا، اذ ان هناك مؤسسات لا تتلقى منحا اجنبية، كما ان هناك منظمات تحصل على المنح بإشراف رسمي، وموافقة مسبقة، كما ان الجهات الرسمية تتابع كل نشاطات هذه المنظمات، دون ان يعني ذلك عدم وجود خروقات تجري أحيانا، لكن مدفعية الدغمي الثقيلة لم توفر أحدا، ونالت أيضا من الحكومات التي تسترضي في بعض الحالات، هذه المؤسسات، لسبب معروف يرتبط بالحذر من تقاريرها العلنية، التي قد تؤثر على سمعة الأردن، والنظرة اليه.

الذي يحلل كلمة الدغمي، يجدها محملة بالغضب، والعتب، والجرأة، واذا كان البعض سيظن ان هناك اعتبارات شخصية، في محاولة للانتقاص من الكلمة، الا ان علينا ان نتذكر ان الرجل جريء دوما، وكان في كل ظروفه يتحدث بصراحة، فهذه طبيعة شخصيته، وهو هنا لا يستدعي شخصية مؤقتة.

لكن وجود مؤسسات مجتمع مدني، امر مهم، بمعزل عن قصة التمويل الأجنبي، فهذه المؤسسات تحمي الحريات، بسبب ما تمثله من قوى مؤثرة، غير ان شبهة التمويل لغايات غير الغايات المعلنة، قصة مختلفة، وهي التي اثارها النائب الدغمي، كما ان ذات الحكومات التي كانت تتشدد ضد هذه المؤسسات في فترات معينة، بسبب دورها او تمويلها، هي ذاتها التي تسترضي بعضها، خوفا من تأثيرها الدولي، خصوصا، ان الأردن أيضا يعيش على مساعدات دولية تتأثر بما تقوله هذه المؤسسات، عن الأوضاع داخل الأردن.

الكلمة ليست عادية، وهي ليست في ذات سياقات النواب الذين رفعوا السقف للحصول على ” مسحة بطولة” بعد فوزهم لأول مرة ترضية لقواعدهم الانتخابية.