صحفي أردني يقرأ التاريخ السعودي من حي (الطريف) السعودي (صور)

{title}
صوت الحق -
بقلم: المستشار محمد الملكاوي



· دماء السعوديين الأحرار فجّرت الثورة ضد الظلم والتبعية والجهل


·السعوديون الأوائل أسسوا الدولة على التحدي والصبر والانتصار


. السعودية مملكة عميقة وعريقة وحديثة: وُجدت لتبقى ... وستبقى


· الثوّار حوّلوا (البارود) إلى (قهوة الأولين) للضيافة والكرم السعودي


· حي (الطريف) جسر محبة بين الشعبين الأردني والسعودي


· المرأة السعودية مُتعلّمة ومُثقفة وواثقة بدينها وسعوديتها وإنسانيتها


· السفارة السعودية في الأردن هي حاضنة التناغم بين مملكتين وبلدين وشعبين شقيقين في قلبٍ (أردنيٍ – سعوديٍ) واحد




بقلم: المستشار محمد الملكاوي


عندما وِقَفتُ على سور حي (الطريف) قرأتُ التاريخ السعودي الحديث منذ القرن الثامن عشر الميلادي بأنفاس القرن الحادي والعشرين؛ ولمست بأنّ لكل (نخلة) حكاية في صفحات المملكة العربية السعودية؛ وأدركت بأن (الطريف) كان عاصمة مدينة (الدرعية) التي تُعتبر العاصمة السعودية الأولى؛ لأن عراقة هذا الحيّ هي الشاهد الأزلي على عُمق تاريخ هذه الدولة؛ وعلى أصالتها؛ وعلى عروبة رمال صحرائها وعلى رائحة بخوّر سمائها؛ وشموخ أهلها وعزتهم؛ وحكمة قيادتها؛ وبسالة مقاتليها الذين ما عرفوا الخنوع ولا الاستسلام.


لقد صمد سور (الطريف) أمام مدافع وجحافل جيوش العُثمانيين المُعتدين الأوائل على سعودية السعودية؛ الذين أرادوا إجهاض عروبة الثورة السعودية على الظُلم والفُرقة والتفكك؛ وعلى الجهل والتجهيل وانعدام الأمن؛ ليؤكد هذا السور العظيم بكبرياء تاريخه الطويل للقاصي والداني بأن هذه الدولة بُنيت منذ أول يوم على التحدي الصبر والانتصار؛ وأن (نفطها) الحقيقي هو (دماء) السعوديين قادة وشعباً؛ وليس ذاك (الزيت الأسود) الذي يتفجّر من أعماق الأرض؛ لإن الإنسان (السعودي) هو (ثروة) تلك الثروة.


· أنين الفارس المؤسس


وَمَنْ يتمعّن في حكاية سور (الطريف) يسمع أنيناً يخرج من أركان حُزنه على الأمير عبدالله بن سعود وعائلته الذين أسرهم إبراهيم باشا نجل محمد علي باشا حاكم مصر عام 1818 الذي كان يقوم بحروب بالوكالة نيابة عن الدولة العثمانية؛ وأرسلهم ليُعدموا في (الأستانة) عاصمة الدول العُثمانية حينذاك؛ لأنهم انتصروا لإسلامهم وعروبتهم وسعوديتهم؛ فقد تم أسره على يد أحد أفراد أسرة (ألبانية) كانت تعيش في (مقدونيا) في شمال اليونان ثم حكمت مصر؛ ليتم إعدامه في عاصمة دولة جعلت من العرب حطباً في نيران انتصاراتها وهزائمها في تلك الفترة المظلمة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية.


لقد شعرت برهبة المكان والزمان والتاريخ والجغرافيا وأنا أسير بخطى بطيئة وهادئة في شوارع وأزقة (الطريف)؛ وكأني سألتقي أمير (الدرعية) آنذاك محمد بن سعود في لقاء صحفي حصري؛ ليحدثني عن أول صفحة من صفحات كتاب دولة (وجدت لتبقى ... وستبقى).


فقادتني بوصلتي إلى مسجده (مسجد محمد بن سعود)؛ وكأنه يُريد أن يُخبرني بأن وسطية الإسلام الحنيف ومحاربة الجهل والتفرقة هي التي جعلته يرفع (سيف الحق) ليثور على الاحتلال والتبعية لِما وراء ... وراء الحدود؛ لأن في بلادنا العربية مِنْ هم زعماء وقادة؛ ولسنا بحاجة إلى مَنْ يحكمنا من خارج إطار تاريخنا وجغرافيتنا وجوعنا وعطشنا وأحلامنا؛ ويفرض علينا (الجزية) على شكل (ضرائب) أرهقت كل بيت وشجرة وحبة قمح حينذاك.


· الطريف ... الرمز الخالد


ولم أتعجب كثيراً عندما عرفت بأن حي (الطريف) يقع في قلب الجزيرة العربية؛ فهذا الحيّ الذي أُسس قبل نحو (300) سنة من اختياره عاصمة للدولة السعودية الأولى التي بدأت عام 1744ميلادي؛ لم يعد (الطريف) مجرّد حيّ يوثق ويؤرخ لمملكة عربية حديثة؛ إنما هو (رمز) خالد أكد بأن الصحراء العربية هي أساس المدنية والحضارة؛ وأن شعبها ليس غبياً أو جاهلاً حتى لا يحكم نفسه بنفسه.


ولا أدري لماذا قادتني سجيّة مخيّلتي وأنا بجوار ذاك السور العظيم بتاريخه (شِعب أبي طالب) في مكّة في بداية انطلاقة الدعوة الإسلامية؛ حينما قاطعت مُعظم قبائل (قريش) الرسول صل الله عليه وسلم لمدة (3) سنين؛ بسبب دعوته للإسلام؛ لكنّي تذكرت فوراً بأن هذا (الشِعب) كان بداية الفرج للمسلمين لوقف القطيعة والمُقاطعة وإجلاء الحق الإسلامي وإزهاق الباطل؛ مثلما ذكّرتني حقائق التاريخ الحديث بأن (الدِرعية) كانت الأساس للثورة على الظلم والاضطهاد والتبعية لتأسيس مملكة سعودية حديثة؛ وأن (الطريف) هو الشاهد والشهيد الحيّ.




· الطريف .... مهد الثورة السعودية


ولم يكن غريباً على خواطر الزمان والمكان أنّي كنت أستنشق خلال تلك اللحظات رائحة الحرمين الشريفين في مكة المكرّمة والمدينة المُنوّرة وأنا على تلّة حي (الطريف)؛ كما كنت أسمع (صليل) سيوف الحق في غزوات بدر وأحد والخندق وحُنين وفتح مكّة؛ مثلما تراءت لي على شريط (يوتيوب) ذاكرة الزمان في تلك اللحظة أيضا لقطات عمليات (الكرّ والفرّ)؛ والسِجال بين الذين يدافعون عن أرضهم ووطنهم وكرامتهم وبين الغزاة الذي كانوا يُريدون (وأد) الثورة السعودية في (مهد) قلب الجزيرة العربية بين حارات وشوارع وزِقاق (الطريف).


وما بين رُكام التاريخ وألقِ الحاضر لمحت ذاك (المدفع) الذي لم تزل فيه رائحة بارود الكرامة السعودية؛ وهو يروي بذلك صموده وصمود الفرسان السعوديين ليبقى حي (الطريف) ومحافظة (الدِرعية) مصدر إلهام للسعوديين بأن مملكتهم أسست على التوحيد والوحدة وحماية الحق والسلام؛ وأن هذه الدولة سيكون لها ذات يومٍ شأن عظيم في تاريخ أمتنا وإسلامنا.


أما غابات نخيل (الطريف) فلم تزل تعطي البلح والرُطب والتمر بكرم وكرامة بعد أن ارتوت بدماء فرسان الدولة السعودية الأولى؛ وكأنها تستذكر ما قاله رب العِزة في القرآن الكريم للصديقة البتول (مريم ابنة عمران عليها السلام) وهي تحمل في رحمها بالسيد المسيح عليه الصلاة والسلام: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا).


· قهوة سعودية شقراء فاقعٌ لونها


أما (قهوّة الأولين) فشعارها (حيّاكم) في حي (الطريف) للتأكيد على أنها قهوة (سعودية – عربية) بكل نكهات بدويتها الأصيلة؛ فاستبدل السعوديون (بارود) مدافعهم التي استخدموها للدفاع عن حُلم تأسيس دولتهم؛ بـ (دِلال) القهوة الشقراء الفاقع لونها؛ التي تسرّ الناظرين والشاربين والزائرين؛ والذين يبحثون عن الراحة في كل (أفياء) السعودية؛ وهذا تعبير بأن البداوة السعودية قد تأسست على (التحية) والسلام والأمان؛ ورشفات (القهوة) هي حضن وحاضنة كلّ ذلك.


ولأن الأسوار والجدران والسقوف لا تصمد إلا بأيدي وأنفاس ودفء قلوب أصحابها؛ فقد لمست ذلك عندما تـُهتُ بين (زِقاق) حي (الطريف) فلم أجد سوى طالبة سعودية مُتعلّمة ومُثقفة من قبيلة (سعودية – وأردنية) كبيرة ومشهورة تدلني على الطريق؛ وقد ذكرتني حينها بابنتي (فرات الملكاوي) التي تدرس في الجامعة الأردنية. فلم يمنعها خِمارها السعودي وحِجابها الأسود المُكتمل؛ من أن تسير إلى جانبي لتوصلني إلى الطريق الرئيسي؛ وهذا تأكيد على أن (الإسلام) في السعودية هو وسطي ومُعتدل؛ يقوم على الثقة بالنفس واتباع روح وجوهر الدين الصحيح؛ وليس على الشك والتشكيك؛ كما يُحاول أعداء السعودية أن يُظهروه للآخرين.


· الدفاع عن سعودية السعودية


أما أهل حي (الطريف) فهم كغيرهم من السعوديين؛ فيهم طيبة البداوة؛ وسُمرة الصحراء؛ وذكاء فرسان القبيلة؛ ولكنّهم يزيدون قليلاً بهدوء قلوبهم؛ الذي ورثوه من أجدادهم الذين تجمّعوا في (الدِرعية) ليُدافعوا على سعودية السعودية في بداية تأسيس الدولة الأولى.


لهذا أقولُ بملء فمي بأن الذي يزور حي (الطريف) في محافظة (الدرعية) التي لا تبعد عن العاصمة (الرياض) سوى حوالي (20) كم سيرى عن قُرب بأن تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمشروع تطوير هذا الحيّ التاريخي الأثري السياحي هو تدشين تاريخٌ عريقٌ لدولة حديثة؛ أُسست على المحبة؛ وهو تأكيد على أن هذه الدولة (وجدت لتبقى وستبقى) رغم كل الحروب والتحديات؛ كما أرادها الأمير محمد بن سعود عام 1744.


· أول لقاءٍ للبشر


فهذه الدولة هي بلد الحرمين الشريفين التي شهدت أول لقاء للبشر على سطح الأرض بين (أبونا آدم وأمّنا حواء) عليهما السلام على صعيد جبل (عرفات) بعد أن نزلا من (الجنّة)؛ ومن هُناك انطلقت كل البشرية.


وعلى أرضها أيضاً حَمل أبونا (إبراهيم الخليل) عليه السلام زوجته (هاجر) عليها السلام إلى أرضٍ غير ذي زرع عند بيت الله الحرام؛ الذي أصبح (حيّا عامراً ثم مدينة عبادةٍ لا تنام) وقِبلة للمسلمين في كل بقاع العالم. وعلى أرض هذه الدولة أباد الله جيش (أبرهة الأشرم) الذي أراد هدم (الكعبة) المُشرّفة. وهي كذلك أرض (إسراء) الرسول محمد صل الله عليه وسلّم؛ نحو (بيت المقدس). ومنها كذلك انطلقت جيوش الفتوحات الإسلامية إلى كل أرجاء المعمورة؛ التي وصل إليها (الإسلام) الحنيف بوسطيته واعتداله وعدله؛ والذي يُعتبر امتداداً شرعياً لما جاء به السيد المسيح عيسى ابن مرّيم وموسى وإبراهيم ونوح وآدم عليهم صلوات الله وسلامه.


· ويبقى القول:


إن ذاكرة حي (الطريف) السعودي هي جزء من ذاكرة كل مُسلم وعربي وإنسان يؤمن بأن كرامة الإنسان هي أصل الحياة؛ وأن الدول تُبنى بأيدي أبنائها؛ وأن القهوة العربية الأصيلة هي أصل السلام؛ لهذا أقول كصحفي أردني لامستُ بكل جوارحي عن قُربٍ بخّور وعطر وتاريخ كل (لبنة) من (لبنات) سور (الطريف) وبناياته بأن أركان السعودية راسخة الجدور في هذه الدولة العميقة إرثاً وتاريخاً وحاضراً ومُستقبلاً.


وهذا ما يُريده السعوديون قادة وشعباً منذ تأسيس الدولة الأولى؛ وصولاً إلى ترسيخ أركان هذه المملكة؛ فكانت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لـ (الدِرعية) وحي (الطريف) مطلع الشهر الماضي ورعايته لمشروع التطوير تأكيداً على أن مُستقبل السعودية راسخ ومُتأصل في جذور الجزيرة العربية.


كما أراد ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مؤخراً أن تكون (الدرعية) التي تضمّ أحياء: (الطريف؛ والبجيري؛ ووادي حنيفة وسمحان) هي نقطة انطلاق رسالة السلام والوسطية والاعتدال السعودية للعالم من خلال الرياضة العالمية؛ وتحديداً (سباق الفورميلا ون) في منتصف الشهر الماضي؛ وأنها ليست (رمز) تاريخ المملكة العربية السعودية فقط؛ وإنما هي مُستقبل الطموح السعودي؛ لتكون قائدة ورائدة على المستوى الدولي والإقليمي.


· تحية إلى سفارة خادم الحرمين الشريفين


وخِتاماً ... فمن قلب العاصمة فيلادلفيا وعمون وعمّان على أرض النشامى؛ ومن مملكة الوفاق والاتفاق؛ ومن حيّ (عُرجان) على شارع الأردن؛ ازجي تحية أردنية ممزوجة بنكهة حي (الطريف) لسفير خادم الحرمين الشريفين في الأردن سمو الأمير خالد بن فيصل بن تركي آل سعود الذي تعشقه الأذن قبل العين دائماً؛ ولنائب رئيس بعثة المملكة العربية السعودية في الأردن السيد محمد العتيق بقلبه الهادئ الممهور ببخور (الطريف)؛ ولرئيس قسم الإعلام السيد خالد الشمّري صاحب المليار قلب سعودي لحب الأردن؛ وللمُلحق العسكري العميد الرُكن خالد الربيعان الذي جعل الجندية مصدراً للمحبة بين السعودية والأردن؛ وللمُلحق الثقافي السيد راشد بن عبدالله النابت الذي يرتقي بالثقافة لتكون سماء المودة بين البلدين؛ وإلى كل أركان السفارة السعودية في عمّان؛ الذين يحرصون على أن يغرسوا حب الأردن في قلب كل سعودي؛ وأن يجعلوا من حي (الطريف) جسراً للمحبة والأخوة والجيرة الطيبة بين الأردنيين والسعوديين.