لماذا أقسم «الأعيان» قبل الدورة العادية؟
صوت الحق -
أ. د. ليث كمال نصراوين*
أدى رئيس وأعضاء مجلس الأعيان الجدد اليمين الدستورية، وذلك قبل أيام من بدء الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، والتي سيرافقها استحقاقات دستورية تتمثل باجتماع مجلسي الأعيان والنواب معا في جلسة مشتركة للاستماع إلى خطبة العرش، وافتتاح جلالة الملك أعمال الدورة العادية.
وقد أثار هذا الإجراء العديد من التساؤلات القانونية التي انصبت حول أسباب عدم تأجيل القسم لما بعد افتتاح الدورة العادية وعقد مجلس الأعيان أولى جلساته البرلمانية. فالمادة (3) من النظام الداخلي لمجلس الأعيان تنص على أن يعقد المجلس جلسته الأولى في دورته العادية بعد الاستماع لخطبة العرش مباشرة، والتي يرى البعض أنه كان يمكن تخصيصها لأداء اليمين الدستورية.
إن الأحكام المتعلقة بقسم رئيس وأعضاء مجلس الأعيان قد وردت في كل من المادة (80) من الدستور والمادة (4) من النظام الداخلي للمجلس، اللتين تنصان على أن يقوم كل عين وقبل الشروع بالعمل بتأدية اليمين الدستورية أمام مجلسه، دون أي شرط إجرائي آخر يتعلق بضرورة أن يكون القسم في جلسة برلمانية مخصصة لهذه الغاية.
ويبقى المبرر الأساسي الذي منع مجلس الأعيان من عقد جلسة متخصصة لأداء القسم قبل بدء الدورة العادية القادمة، أن المادة (66/1) من الدستور تنص على أن يجتمع مجلس الأعيان عند اجتماع مجلس النواب، وأن أدوار اﻻنعقاد تكون واحدة للمجلسين. فالاختلاف في تركيبة مجلسي الأمة، الذي يتألف من مجلس أعيان معين ومجلس نواب منتخب، قد دفع المشرع الدستوري إلى محاباة مجلس ممثلي الشعب على حساب المجلس المعين في مظاهر متعددة، أهمها أن الأساس في اجتماع مجلس الأمة يكون لمجلس النواب، وأن مجلس الأعيان يجتمع فقط خلال الفترة التي يكون فيها مج?س النواب في حالة انعقاد.
وحيث إن مجلس النواب في فترة عدم اجتماع بعد فض الدورة الاستثنائية الأخيرة، فإنه لم يكن بمقدور مجلس الأعيان أن يعقد جلسة برلمانية لغايات أداء رئيسه وأعضائه الجدد اليمين الدستورية. فكان الخيار أن يعقد المجلس اجتماعه في مكان آخر داخل المجلس، حيث جرى تلاوة الإرادة الملكية السامية بحل المجلس السابق وتشكيل المجلس الجديد وتعيين رئيس له.
وتكمن أهمية أن يكون الأعيان الجدد قد أدوا اليمين الدستورية قبل موعد افتتاح الدورة العادية القادمة وإلقاء خطبة العرش، أن المشرع الدستوري قد فرض على مجلسي الأعيان والنواب أن يقدما عريضة للرد عليها خلال فترة زمنية محددة. فالمادة (5) من النظام الداخلي لمجلس الأعيان تنص على أن ينتخب المجلس لجنة من خمسة أعيان لوضع صيغة الرد على خطبة العرش، وذلك خلال أربعة عشر يوما من إلقاء خطبة العرش، ومن ثم يقوم الرئيس والأعيان برفع الرد إلى جلالة الملك.
ولا يغير في حقيقة الأمر أن الحالات الدستورية السابقة كان تشهد اجتماع مجلسي الأعيان والنواب معا في جلسة مشتركة للاستماع لخطبة العرش ومن ثم يعقد كل مجلس جلسته الأولى لأداء القسم. فالمشهد الدستوري مختلف هذه المرة؛ فلو تأخر الأعيان في أداء اليمين الدستورية بعد افتتاح الدورة العادية الثانية لكان الأعضاء الجدد ورئيسهم قد اضطروا إلى الاجتماع مع نظرائهم من المجلس المنتخب في جلسة مشتركة وهم في مركز دستوري مختلف عنهم. فالنواب في الجلسة المشتركة القادمة سيكونون قادرين على مباشرة أعمالهم النيابية باعتبارهم تحت القسم، ?ي حين أن الأعيان الجدد سيعتبرون غير صالحين للشروع في أي عمل برلماني كونهم لم يؤدوا اليمين الدستورية بعد.
وما يعزز من أهمية تكريس الحق لمجلس الأعيان بأن يؤدي أعضاؤه الجدد اليمين الدستورية قبل بدء أي دورة برلمانية، أن هذا المجلس أحيانا ما يعاد تشكيله بعد حل مجلس النواب. فلا يعقل عندئذ أن يبقى المجلس المعين دون أي عمل يباشره بانتظار تشكيل مجلس النواب الجديد واجتماعه معا في دورة برلمانية لكي يؤدي القسم.
وهذا ما حدث بالفعل مع مجلس الأعيان الأخير الذي جرى حله مؤخرا. فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بإعادة تشكيله في نهاية شهر أيلول من عام 2020 بعد أن تقرر حل مجلس النواب الثامن عشر. وقد عقد المجلس الجديد أنذاك اجتماعا له في إحدى قاعات المجلس لكي يؤدي الأعيان الجدد اليمين الدستورية.
وتكررت الواقعة ذاتها في عام 2001، حيث جرى تشكيل مجلس الأعيان التاسع عشر بتاريخ 23/11/2001 بعد أن تقرر حل مجلس النواب الثالث عشر بتاريخ 16/6/2001. وفي عام 2009، تشكل مجلس الأعيان الثالث والعشرين بتاريخ 17/12/2009 بعد أن صدر القرار بحل مجلس النواب الخامس عشر بتاريخ 24/11/2009. فكان يتم عقد جلسات خاصة في مبنى مجلس الأعيان ليتمكن الأعضاء الجدد من أداء اليمين الدستورية.
خلاصة القول، إن الحاجة ماسة إلى مراجعة النظام الداخلي لمجلس الأعيان لإيراد نصوص قانونية تنظم أداء الأعيان الجدد اليمين الدستورية ضمن كافة السيناريوهات المحتملة، وذلك لإضفاء حالة من الوضوح والشفافية في العمل البرلماني.
*أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية