الأردن على مشارف صفقة القرن… صلابة الموقف رغم الضغوط

{title}
صوت الحق - توالت عدد من المواقف الرسمية الأردنية خلال الفترة بين 9/3/2019 – 4/4/2019 تجاه تطورات مهمة في ملف الصفقة الأميركية "صفقة القرن” استدعت التأكيد على موقف الأردن الرسمي منها وما يتصل بها من ملفات، خصوصا القدس. وقد تزامن ذلك مع مواقف أخرى على المستوى الداخلي تتعلق بالحركة الإسلامية، وعلى المستوى الخارجي تتعلق بحركة حماس، وهي مواقف تستحق التحليل لفهم أبعاد الموقف الأردني من صفقة القرن وتقاطعاته على المستويين الداخلي والخارجي.
الخلفيات
يواجه الأردن تحديات صعبة، ويتعامل مع متغيرات متسارعة وتحولات إقليمية ودولية كان لها تداعيات كبيرة على الأوضاع في المنطقة، وعلى استقرار العديد من دولها سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا. ومن أبرز ما يشهده الإقليم والعالم العربي التحولات الكبيرة التي تمر بها التحالفات والمحاور السياسية التقليدية خلال العقد الحالي، ومن ضمنها انقسامات وتباينات على خلفية تحديد أولوية مصادر التهديد الرئيسية في الإقليم. ولا يُعد التبدل في هذه الأولوية تبدلا تكتيكيا بل هو استراتيجي، حيث تتغير مكانة إسرائيل من دولة تشكل التهديد الأبرز في الإقليم إلى دولة يمكن أن تكون عامل استقرار فيه. ويشكل هذا في مجمله ضغطا جديدا على الأردن الذي يرى أن الأطماع الإسرائيلية في الأردن أو في حل القضية الفلسطينية على حسابه تعد أكبر مصدر يهدد أمنه الوطني.

وفي هذا السياق، يعد ملف "صفقة القرن” الأميركية وتشابكاته على المستويين الداخلي والخارجي من أبرز التحديات التي يواجهها الأردن حاليا؛ فهو ملف يتصل بقضايا جوهرية على رأسها قضية القدس التي تشكل رمزا للوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، كما يتصل بالحل النهائي للقضية الفلسطينية وفشل حل الدولتين، وما يرتبط بذلك من الحديث المتزايد من قبل مسؤولين أميركيين وشخصيات إسرائيلية -وإن كانت من خارج الإطار الرسمي- عن الوطن البديل والتوطين، وأن الدولة الفلسطينية الحقيقية هي شرق نهر الأردن وليست غربه، وهو حديث يعني أن الرؤية الأميركية والإسرائيلية لحل القضية تأتي على حساب الأردن ومصالحه ودوره في المنطقة.
الضغوطات وتقاطع المواقف

تسود الأردن رسميا وشعبيا حالة من القلق بشأن "صفقة القرن” وما يرتبط بها من مطامع وتعنت وتطرف إسرائيل في المنطقة وما يرافقه من تعاظم الانحياز الأميركي لإسرائيل، وما يشهده الأردن من صعوبة الأوضاع الاقتصادية في ضوء تراجُع نسب النمو، وارتفاع عجز الموازنة والمديونية، وزيادة معدل البطالة، بالإضافة إلى تراجع أولوية القضية الفلسطينية على الأجندتَين الدولية والإقليمية، وبروز خلافات بين الأردن وحلفائه العرب، خصوصا في دول الخليج، في ضوء الحديث عن تزايد التواصل مع إسرائيل والضغط على الأردن بشأن مواقفه من الصفقة الأميركية، وما يتعلق منها بالقدس واللاجئين.

وقد سبق هذه المواقف زيارة جلالة الملك إلى الولايات المتحدة (في 9/3/2019)، والتي أتت عقب زيارة مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر إلى الخليج (25/2/2019) لمناقشة الجوانب الاقتصادية لـلخطة الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية، وذلك حسب مصادر متعددة. وقد التقى الملك مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس (9/3/2019) دون أن يلتقي الرئيس ترامب، وسبقه (في اليوم ذاته) لقاء مع وزير الخارجية مايك بومبيو وكل من المستشارين جاريد كوشنر وجايسن جرينبلات، في منزل السفير الأردني في واشنطن، استمر لمدة 45 دقيقة تناول الخطة الأميركية لتسوية القضية. غير أن وسائل الإعلام الأميركية لم تُشِر إلى أي لقاءات للملك مع لجان الكونغرس كما كان معتادا ومتوقعا. وقد رَشَح عن هذه اللقاءات أن المسؤولين الأميركيين قد سعوا إلى "توفير الدعم للخطة الأميركية -عبر الأردن- أو على الأقل إبطال أي معارضة لها”، والتي قابلها موقف أردني معلن بأن الأردن لا يمكنه دعم أي خطة أميركية لا تشمل إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس.
وانسجاما مع ما يشكله الأردن من وزن جيوسياسي في الإقليم، ولأنه رقم صعب في القضية الفلسطينية التي يرى فيها ملفا داخليا وخارجيا يتوجب التعامل معه ضمن الثوابت العربية والمصالح الأردنية العليا، جاءت تصريحات الملك (في 20/3/2019) بعد عودته من الولايات المتحدة والتي أعلن فيها أن الأردن يواجه ضغوطات في موضوع القدس، دون أن يوضح شكلها أو مضمونها، حيث أكد بأن موقف الهاشميين واضح من القدس وهو "خط أحمر” يسانده فيه كل الشعب الأردني، ويدعمه فيه العرب والمسلمون. وبدا واضحا في تصريحات الملك ارتباط ملف القدس بالإطار الأوسع وهو صفقة القرن والطرح الأميركي للحل النهائي للقضية الفلسطينية والذي يتعارض مع المصالح الأردنية تحت شعارات "الوطن البديل” و”التوطين”، كما يتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني، وهي تأتي في سياق تثبيت موقفه ومواجهة الضغوط الأميركية التي لمسها خلال زيارته لواشنطن، وفي 25/3/2019 ألغى الملك زيارة مجدولة إلى رومانيا بسبب إعلان رئيسة الوزاراء الرومانية خلال حضورها مؤتمر "إيباك” في واشنطن، عن نيتها نقل سفارة بلادها إلى القدس المحتلة.

وكرر الملك خلال اجتماعه في القيادة العامة للقوات المسلحة (في 26/3/2019) تصريحاته برفض الأردن الواضح لضم القدس، وللوطن البديل وللتوطين. وأشار في هذا الاجتماع إلى أنه سيقوم بجولة قريبة تشمل المغرب، الذي يترأس لجنة القدس وتشهد علاقاته نوعا من الفتور مع السعودية، وإيطاليا وفرنسا، وتونس، لحضور القمة العربية، وستركز الزيارات على قضية القدس وعملية السلام. وأكد الملك مواقفه السابقة هذه في كلمته في القمة العربية في تونس (في 31/3/2019) حيث شدد على أولوية القضية الفلسطينية وضرورة التعامل معها ضمن الثوابت العربية بما فيها القدس والأراضي المحتلة عام 1967.
وقد تلا هذه المواقف والزيارات الملكية أحداث ذات دلالة في هذا التحليل؛ حيث أرسلت الحركة الإسلامية في الأردن رسالة دعم خاصة للملك بعد تصريحاته خلال اجتماعه بقيادة القوات المسلحة (26/3/2019) عبرت فيها عن "تأييدها ودعمها الكامل لمواقف الملك في الدفاع عن القدس، ورفض ما يسمى صفقة القرن، ورفض التوطين والوطن البديل”. وجاء فيها "أن الجماعة تدرك مدى الأخطار المحدقة بالأردن مما يتطلب تعزيز الجبهة الوطنية الداخلية، والإصرار على نهضة الأردن ومنعته، والاعتماد على الذات في مواجهة التهديدات المختلفة في ظل تفكك النظام العربي، واختلال موازين القوى في المنطقة”. وتبع هذه الرسالة مسيرة حاشدة (في 29/3/2019) دعت لها الحركة الإسلامية ركزت على الموقف الأردني المتوائم رسميا وشعبيا في مواجهة أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وخاصة ما يتعلق بالقدس واللاجئين. و(في 1/4/2019) طرحت الحركة الإسلامية مبادرة سياسية وطنية شددت فيها على دعم الموقف الأردني من القدس ومواجهته للضغوطات التي تتعرض لها البلاد بخصوص صفقة القرن.

وعلى الصعيد الخارجي قام المستشفى الميداني الأردني في غزة (في 2/4/2019) بدعوة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لزيارة رسمية إلى المستشفى، وأطلق هنية خلالها تصريحات حول دعم الحركة لدور الأردن في رعاية الأماكن المقدسة، كما أكد على رفض حماس للتوطين وللوطن البديل، ورحب هنية بتصريحات وموقف الملك معبرا عن تقديره ودعمه لها.

وفي ضوء عديد من المؤشرات التي تؤكد ذهاب الولايات المتحدة إلى طرح حل نهائي للقضية الفلسطينية على نحو يتعارض مع المصالح الوطنية العليا للأردن وحقوق الشعب الفلسطيني، وخصوصا في موضوع القدس والتوطين والوطن البديل، يتبين أن معارضة "صفقة القرن” والعمل على إفشالها ينسجم مع المصالح الوطنية العليا للأردن، ويتسق مع قناعة المؤسسات القيادية للدولة وتوجهات القوى والأحزاب السياسية والموقف الشعبي تجاه القضية الفلسطينية، كما سبقت الإشارة. ومما يُعزز خيار الأردن في معارضة مشروع الصفقة أن الخيار الآخر المتمثل في تمريرها قد يجنب البلاد آنيا بعض الضغوط السياسية والاقتصادية، غير أن نتائجه وتداعياته الاستراتيجية على المصالح الوطنية العليا للأردن وعلى موقفه تجاه القضية الفلسطينية بالغة الخطورة. وقد أظهرت التطورات الأخيرة بوضوح قدرة الأردن على تحمل الضغوط الخارجية، لا سيما أن الجبهة الوطنية الداخلية، بكل أطراف المعادلة السياسية والاجتماعية، موحدة تماما على هذا الموقف.

وفي إطار تعزيز الموقف الأردني المبدئي الرافض لصفقة القرن يعد خيار "تنويع العلاقات الخارجية وتوسيع منظومتها وتحقيق التوازن فيها” خيارا له أهميته في هذا السياق من حيث واقعيته وقدرته على تحمل التداعيات المترتبة عليه، وفق ما أشارت إليه مواقف القوى السياسية والاجتماعية الأردنية. ومن أهم متطلبات هذا الخيار: مبادرة الأردن لبناء علاقات أقوى مع دول الإقليم، خصوصا مع الكويت، والمغرب، وقطر، وتركيا وإلى حد ما إيران، بالمستويات الاقتصادية والسياسية التي لا تُخلُ بالتزاماته المرتبطة بعلاقاته العربية، مع محافظته على علاقاته الدولية مع الغرب في المدى المنظور، وبما يُحقق الدعم الاقتصادي ويوفر المظلة السياسية والدعم اللازم.

التقاطعات مع البيئة السياسية المحيطة
وفي تحليل لمواقف الدول المذكورة من القدس ودور الأردن فيها ومن الضغوط التي يواجهها الأردن بخصوص صفقة القرن فقد أكد السفير الكويتي في الأردن عزيز الديحاني على مساندة الكويت للموقف الأردني معبرا عن أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات، وما لها من دور في حمايتها من أي انتهاكات. وتبنى ذات الموقف كذلك الملك محمد السادس ملك المغرب ورئيس لجنة القدس في القمة الإسلامية بتأكيده على أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية.
وفي السياق نفسه أشاد بيان صادر عن وزير خارجية قطر محمد آل ثاني بالموقف الأردني الثابت من القضية الفلسطينية لا سيما في المحافظة على الحقوق الإسلامية والعربية في القدس المنضوية تحت الوصاية الهاشمية، بالإضافة إلى تأكيد الوزير على رفض قطر لبنود صفقة القرن ما لم تضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 ولا تشمل حق العودة وتسمية القدس عاصمة لفلسطين.

وأما عن موقف تركيا فقد جاء واضحا عبر تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدعمه واهتمامه بالدور الذي يقوم به الأردن "كحام للأماكن المقدسة في القدس”، وهو ما أكد عليه كذلك وزير خارجيته مولود تشاووش أوغلو حين عبر عن استياء تركيا من ممارسة بعض الدول ضغوطا على الأردن بشأن موقفه من قضية القدس. وكذلك جاءت المواقف الإيرانية لتصب في ذات التوجه؛ حيث أكد السفير الإيراني لدى الأردن مجتبى فردوسي بور على أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس.

ولذلك فإن هذه المواقف تشكل رافعة للموقف الأردني على المستوى العربي والإسلامي، وفرصة للسياسة الخارجية الأردنية باتجاه تنويع علاقاتها الخارجية على نحو يدعم موقفها في مواجهة الضغوط بخصوص صفقة القرن، وخاصة في العلاقة مع هذه الدول.
استنتاجات وتوصيات
وفي ضوء التحليل السابق لموقف الأردن رسميا وشعبيا والموقف الفلسطيني الداعم له إضافة إلى مواقف مهمة ومباشرة من دول عربية وإسلامية استنادا لقرارات القمم العربية والإسلامية والشرعية الدولية، فإن خيار الأردن السياسي الطبيعي هو رفض "صفقة القرن”، وخاصة أن الموافقة على الصفقة وتمريرها يشكل ضربة قوية للثوابت والمصالح العليا الأردنية، كما يشكل تخليا عن حقوق الشعب الفلسطيني ودور الأردن في الأماكن المقدسة في القدس.
ويوصي التحليل باتخاذ الموقف الرافض للصفقة بلا تردد وتصليبه واستيعاب أي تبعات لاحقة، ويقترح التحليل ما يلي:
1. تدعيم الجبهة الداخلية
الأردنية كأولوية في مواجهة تداعيات "صفقة القرن” على الأردن؛ حيث إن قوة الموقف الخارجي للدولة هو انعكاس لقوة جبهتها الداخلية وتماسكها.
2. استثمار تقاطعات المواقف العربية والإسلامية الداعمة للموقف الأردني من صفقة القرن كفرصة لتقوية موقف الأردن في مواجهة الضغوط الأميركية المتوقعة.
3. الانفتاح على الحركات الفلسطينية الفاعلة وعلى رأسها حركة حماس، بوصفها مكونا وطنيا فلسطينيا، خصوصا وأن حماس تدعم الأمن القومي الأردني والوصاية الهاشمياة على القدس وترفض أي حلول للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهو الأمر الذي يشير إلى وجود مصالح مشتركة بين الأردن وحماس، واستشعارا للتهديد المشترك. وهذا لا يقلل من أهمية استمرار الانفتاح والتعاون مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح على ذات المستوى ولذات المزايا.

• تحليل سياسي من إعداد مركز دراسات الشرق الأوسط- الأردن.