تفسير أوائل سورة البقرة

{title}
صوت الحق -


 التعريف بسورة البقرة
هي سورةٌ مدنيَّةٌ تحتوي على مئتين وستٍّ وثمانين آيةً، عُرفتْ باسم فسطاط القرآن وسميت بذلك؛ لكثرة الأحكام والمواعظ الموجودة فيها، حيث قام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بتعلُّمِها لمدة اثنتي عشرةً سنةً، تعلّم من خلالها الفقه والإيمان وما تحتويه من مواضيع عن العلم والحثِّ على العمل.

ذُكر في فضلها أنّها تقي قارئها من مسِّ الشيطان، ولها مكانةٌ عظيمةٌ في الدنيا والآخرة وقد احتوت على أفضل وأعظم آيةٍ في القرآن الكريم؛ وهي آية الكرسي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ).

تفسير أوائل سورة البقرة
أوائل سورة البقرة هي قوله -تعالى-: (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وهذا بيان تفسيرها:

تفسير قوله -تعالى-: (الم): هي سرٌّ من أسرار الله -تعالى- في القرآن، فهي تتكون من ثلاثة أحرفٍ: ألفٌ ولامٌ وميمٌ، وهي من الحروف العربية الهجائيّة، وغايتها -كما قال العلماء- تعجيز العرب، وذلك عندما اتهموا الرسول -عليه السلام- أنّ القرآن الكريم من عنده، وقد كانوا على درايةٍ تامَّةٍ بأنّه أُمّي، لا يعرف القراءة والكتابة، ولو كانوا صادقين بقولهم، لاستطاعوا الإتيان بمثله؛ لأنّهم من أهل اللغة، قال-تعالى-: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)
تفسير قوله -تعالى-: (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ): المقصود بالكتاب في هذه الآية هو القرآن الكريم، يُبين الله -تعالى- أنّه منزَّلٌ من عنده -سبحانه-، والمقصود بقوله: (لا رَيْبَ فِيهِ)؛ أي لا شك فيه، وقوله -تعالى-: (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)، أي قد أنزله الله ليكون هدىً ونورًا وضياءً لعباده المتقين، ونوع الهداية في الآية هي هدايةُ إرشادٍ ودلالةٌ تختصّ بالرسل وأتباعهم، ومن صفات عباد الله -تبارك وتعالى- المتّقين أنّهم يلازمون طاعة الله -سبحانه وتعالى-، ويثابرون على العمل الصالح، ويجعلون من القرآن الكريم حاجزًا بينهم وبين الشرك بالله -عزّ وجلّ-.
وقوله -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)،: جاءت هذه الآية الكريمة مكمِّلةً لما قبلها، حيث ذُكر في هذه الآية أنّ المتّقين هم الذين يصدّقون بالغيب تصديقًا جازمًا، فيؤمنون بالله -تعالى- ورُسُله وكُتُبِهِ وملائكته والجنةِ والنار والبعث يوم القيامة، وقوله -تعالى-: (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)؛، أي يؤدّونها في وقتها على أحسن وجهٍ بخشوعٍ تام، متكاملةً بركعاتها وسجداتها، وقوله -تعالى-: (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)، أي يستخدمون ما رزقهم الله -تعالى- بطريق الخير والصدقات ويقومون بتزكية أموالهم.
قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ): أي يصدقونك ويؤمنون بما أنزل الله -تعالى- عليك، ويصدقون رسل الله -تعالى- من مرسلين من قبلك وآمنوا بالكتب السماوية وهي التوراة والإنجيل والزبور، وقوله -تعالى-: (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)، أي يؤمنون إيمانًا جازمًا بيوم القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار، المقصود هنا هو الرسول -عليه السلام-.
قوله -تعالى-: (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ): جاءت هذه الآية مؤكِّدةً على تصديق المؤمنين بالنبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتصديقهم بالقرآن الكريم بأنّه منزَّلٌ من عند الله -تعالى- وبالكتب التي أنزلت من قبله، خصهم الله -سبحانه وتعالى- ووصفهم بأنهم أهل الهدى وأهل الفلاح، وأن غيرهم ممن لم يؤمنوا بالرسول -عليه السلام -هم من أهل الضَلال ووصفهم الله -تعالى- بالخاسرين، وكان للتأويل في قوله -تعالى-: (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ)، وجهان مختلفان؛ فمنهم من قال أنّ المقصود في الآية هم الذين ءامنوا بالغيب من العرب، والذين ءامنوا بما أنزله الله -تعالى- على سيدنا محمد -عليه السلام -وما أنزله على من كان قبله من الرسل. وقال بعضهم أنّ المقصود في قوله -تعالى-: (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ)، هم فقط من كان يؤمن بما أُنزل على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وبما أنزله الله -تعالى- من قبله على الرسل، وهم المؤمنون الذين ءامنوا بالقرآن الكريم ويطلق عليهم أهل الكتاب الذين قاموا بتصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وءامنوا بالرسل والأنبياء من قبله.
أدلة من السنة النبوية على فضل سورة البقرة
من الأحاديث الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في فضل سورة البقرة:

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اقرؤوا سورةَ البقرةِ في بيوتِكم؛ فإنَّ الشيطانَ لا يدخلُ بيتًا يُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ).
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الآيَتَانِ مِن آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَن قَرَأَهُما في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ).