مرضى حساسية القمح: أصواتنا ليست مسموعة .. هنادي تقاوم المرض وتتحدى الصعوبات
عدي ابو مرخية
عشر سنوات مضت، وما زالت عبارتها الشهيرة عند كل مأدبة طعام، أو مائدة تُدعى إليها: “أعتذر لا أستطيع تناول هذا الصنف !”. معاناة مستمرة؛ تفرض واقعا جديدا، وأسلوب حياة مختلف؛ والسبب، مرض يلقي بظلاله على تفاصيل حياة من يصاب به، ويحرمه من أصناف متعددة من الطعام.
هنادي(42 عاما)، تنقل تجربتها مع مرض حساسية القمح، والتي بدأت منذ عام 2010 عندما كانت تبلغ من العمر 30 عاما، قائلة: بدأت أفقد الوزن بشكل كبير، وأشعر بألم شديد في المعدة، إلى جانب أعراض وصفتها بـ “الغريبة”، لتتجه بعد ذلك إلى مستشفى حكومي، لمعرفة هذه الأسباب، وبعد إجراء العديد من الفحوصات الأولية كان التشخيص يتمحور حول قرحة المعدة بالإضافة الى شكوك حول المرارة، وبعد عام 2011 بدأت الاحوال تسوء والآم تزداد وشكوك جديدة حول مياه في الامعاء، وصولا إلى السنة الثالثة، حيث بدأ الجسد بالتهالك ليصبح كالهيكل العظمي، يزن 35 كيلو جرام، لتكون الصدمة بقرار المستشفى المتأخر بإجراء عملية تنظير بعد الشك الكبير أن هنادي تعاني من السرطان.
وبعد ظهور نتائج العملية وتشخيصها بمرض الداء الزلاقي (حساسية القمح)، تقول هنادي: شعرت بالفرحة لأنه لم يكن مرض السرطان. لكن الفرحة لم تدم، عند معرفتها تداعيات المرض، والتي تشمل عدم تناول جميع انواع المخبوزات والحلويات ووجبات الطعام السريع، وغيرها من الآيس كريم، والألبان، والأجبان الى جانب المعلبات والمكسرات. مبينة أنه عند تناولها أي صنف من تلك المحظورات سوف تصاب بألم شديد بالمعدة وطفح جلدي وصداع شديد
بعد أن أدركت هنادي، بأنه لا علاج لها، أدركت أن الحل هو نهج جديد، يتمثل بحياة صحية تتلائم مع حالتها.
لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد بل وجدت هنادي نفسها في دائرة الاستغلال، موضحة، أن حياتها أصبحت باهظة الثمن، إذ كانت تشتري نصف كيلو من الخبز الجاهز بستين قرشا، وهو ما يتطلب إبراز هويتها الشخصية لتحديد الكمية التي تستطيع الحصول عليها، مؤكدة أن تلك الحصة لا تكفي لبضعة أيام، وإذا أرادت أن تهرب من تلك التكلفة وصناعة رغيفها بنفسها، سوف تحتاج لأربعة دنانير ونصف لشراء كيلو واحد من الطحين الخاص، وأن أرادت شراء القليل من المعكرونة الجاهزة او قطعة من الكيك الجاهز فهي تحتاج خمسة من الدنانير.
تكاليف الحصول على الطعام دفعت هنادي إلى البحث عبر مواقع التواصل الإجتماعي عن حلول ذات تكلفة اقل ومذاق جيد، لتجد مجموعة تتابع المرضى وترشدهم الى كيفية العيش بنمط حياة أشبه بالطبيعية، وبأسهل الطرق الممكنه، وكان ذلك بالتعاون مع فريق من مهندسات التغذية في المدينة الطبية، إذ أصبحت بعد فترة ضمن ذلك الفريق، وبينت أن هذه المجموعة قامت بتوفير المنتوجات بشكل أفضل من السابق مثل المخبوزات والحلويات، وتخفيض سعر الطحين الخاص الى النصف، وتدريب العديد من السيدات ليكونوا على استعداد تام لخدمة الجميع.
تضيف هنادي: على الرغم من تخطي الكثير من الصعوبات ما زال الصوت ليس مسموعا بما يكفي فهنالك العديد من الشكاوى الجماعية من غلاء الأسعار مقارنة بحياة شخص طبيعي، وقلة الخبرة في مجال انتاج طعامهم الخاص، موضحة أن بعض الخطوط الانتاجية ملوثة بالقمح وقلة وعي المجتمع بهذا المرض، وعدم الاهتمام بالأطفال ومراقبتهم.
لم تنتهِ هنادي، بذكر صعوباتها وتؤكد أن المجتمع الذي يعتقد بأنها متعالية ليس الجانب الوحيد المزعج، فوجودها في المنزل بين أسرتها يزعجها أيضا؛ لعدم تقبلهم طعامها الخاص، وأن وافقوا لا يستطيع رب الأسرة تحمل تكاليف الطعام الخاص لستة أفراد، مؤكدة أن أي طعام غير الأرز والدجاج يحتاج لوقت طويل في الطهي لتحضير طبق لها وطبق لأفراد عائلتها.
القمح حق للجميع، وفي متناول الأيدي، لكنه موت بطيء لهنادي وأمثالها من المرضى. أسعار باهظة تمنعهم من تناول الطعام بشكل طبيعي عدا عن الإحراجات المتكررة من قبل الأشخاص، هو ليس تكبرًا أو غرورًا إنه الخوف من الموت في سبيل الطعام.