الحرب الإسرائيلية على غزة إيران تبقى الحاضر ــ الغائب
صوت الحق -
في خضم الحرب الهمجية والبربرية واللإنسانية والقصف الإسرائيلي المتواصل خلال 22 يومياً بأسلحة تقليدية وبعضها محرم دولياً على قطاع غزة، كانت إيران الحاضر بدبلوماسيتها المنقطعة النظير الغائب بمشاركتها مباشرة أو من خلال وكلائها بشكل فعلي وعلى الأرض، ما الذي يتردد لغاية الآن بقوة ذكره انتظاراً لدوره في الحرب الدائرة، وبتتبع الموقف الإيراني من الحرب الدائرة الآن نجده أتسم بالتصريحات القوية المتوعدة لإسرائيل من جهة، والغياب التام لأي فعل عسكري داعم لـ حماس أو قطاع غزة، مما جعل بعضهم يعتبر أن إيران تعاني معضلة بسبب الحرب على غزة، فتقاعسها عن دور في الأحداث الجارية يقوض صدقية إستراتيجية المقاومة ألتي تسوقها في المنطقة هي وحلفاؤها، وهنا نحاول كمراقبين فهم لماذا التركيز على الدور الإيراني في الأحداث الجارية ولماذا غاب هذا الدور تماماً عن رفع المعاناة عن سكان غزة والمقاومة ألتي دائماً ما تعلن إيران أنها جزء من محورها.
دائماً ما رفعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية شعار دعم القضية الفلسطينية وحركات المقاومة، إذ عملت منذ سنوات طويلة على جعل القضية الفلسطينية بمثابة مركز الجاذبية في خطابها المتواصل عن المستضعفين، وعملت على دعم عدد من الحركات الفلسطينية السنية مثل حركة حماس و الجهاد الإسلامي، كما وظفت دعمها للقضية الفلسطينية بإستمرار للتدليل على عدم إقتصار مساندتها للجماعات الشيعية فقط، بل دعم الجماعات السنية، وهدفت من دعمها إضفاء تأييد وشعبية لسياستها وسط المنطقة العربية والعالم الإسلامي وخاصة سياسة حسن الجوار.
ونجحت إيران في ذلك مع الخطاب الشعبوي الذي أستخدمه كثير من قادتها، ومن ثم أستخدمت طهران القضية الفلسطينية للتدليل على أمرين :
الأول رفع شعارات نصرة المستضعفين من جهة.
وثانيا: معاداة إسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، وكثيراً ما أشارت خطابات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي في أكثر من موضع إلى المساعدة التي تقدمها إيران للفلسطينيين كواجب على جميع المسلمين، ففي أحد خطاباته قال : نحن نعتبر أنفسنا ملزمين بأن ندعمك بكل الطرق، هذا واجب ديني وواجب إنساني ويتجاوز الأحداث السياسية والتطورات، وإن شاء الله سنفي بهذه المسؤولية كما في الماضي، وفى سبيل ترسيخ الصورة الذهنية عن إيران وربطها بالقضية الفلسطينية وعدم صبغها بكونها دولة مذهبية، أسست علاقاتها بالتنظيمات السنية مثل حماس و الجهاد الإسلامي، ودعمتها بالأموال في الإنتخابات والتظاهرات أثناء الحرب الإسرائيلية خلال 2008 ــــ 2009، وفتحت باب التطوع للكتائب الإستشهادية، كما مدت هذه الحركات بالأسلحة والتدريب والدعم المالي وربطتها بمحور المقاومة الذي يشمل كذلك حزب الله اللبناني. وفي إطار حرب ظل بين إيران وإسرائيل تباهت الأولى بما سمته حرب الساحات الموحدة، أي إشعال بؤر التوتر والتصعيد على حدود إسرائيل في أكثر من جبهة، وهو ما حدث منذ أشهر، وأعتبرته إسرائيل مصدر تهديد جديداً لأمنها القومي، لذا حينما إندلع القصف الإسرائيلي على غزة صباح 7 نشرين أول/ أكتوبر تساءلت كثير من التحليلات وكثير من المراقبين : متى ستتدخل إيران لمساندة الفلسطينيين وتقديم الدعم المنتظر لحركة حماس ..؟ ويمكن القول إن الموقف الإيراني من الحرب الإسرائيلية على غزة حتى هذه اللحظة لم يراوح مكانه، إذ أشاد المرشد الأعلى السيد خامنئي بهجوم حركة حماس على إسرائيل في عملية " طوفان الأقصى " لكنه حرص وبقية المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم عميد الدبلوماسية الإيرانية وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان على نفي أية علاقة بين إيران وهجوم حماس ، وأنها لم تمد حماس بالأسلحة وليس لديها نية للتدخل العسكري، ومع مرور ثلاثة أسابيع على القصف إسرائيل البربري والهمجي لم تحاول طهران تقديم دعم لـ حماس إلا دبلوماسياً في كافة المحافل الدولية، لكن تصريحاتها كانت ذات لهجة قوية ثم خففت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة لهجتها، وطمأنت القوى الغربية بأن قواتها المسلحة لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها.
ويبقى الفعل الغير متوقع من إيران وسياسة النأي بالنفس عن الأحداث، ربطته السلطة الإيرانية بمحاولة تفادي غضب مواطنيها حال التدخل بشكل مباشر، لا سيما أنهم سابقاً رفعوا شعارات تندد بدعم إيران لسوريا ولبنان واليمن، ويبدو ذلك مبرراً واهياً لأن النظام الإيراني أعتاد الإستثمار في دعم حلفائه الإقليميين والتدخل في العراق وسوريا ولبنان واليمن بكل الأدوات اللوجستية والعسكرية والمالية والأقتصادية، حتى في ظل ما يعانيه من عقوبات أقتصادية مفروضة عليه من الولايات المتحدة الأمريكية من دون أي أعتبار للوضع الإقتصادي المتدهور، وحتى عندما إندلعت المظاهرات منذ 2018 وحتى 2022 ورفعت فيها الشعارات المنددة بالتدخل في اليمن وسوريا ولبنان واليمن لم تتوقف إيران عن التدخل ولم تعر إستياء المواطنين أية أهمية. إذاً لماذا لم تتدخل إيران لدعم حركة حماس شريك محور المقاومة ..؟ ولماذا ترسل بإشارات طمأنة للولايات المتحدة والغرب بعدم نيتها التدخل ..؟ طبعا اعتادت إيران توظيف ملفات وقضايا المنطقة للمساومة في علاقتها بالغرب ولا سيما الولايات المتحدةالأمريكية، وفي حين شهدت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة تهدئة لا تريد إيران خسارة ما حققته من مكاسب أخيراً، وتدور أهم المكاسب التي جنتها في منفعتين :
الأولى : هي الصفقة ألتي عقدتها مع واشنطن وأفرج بموجبها عن ( 6 ) ستة مليارات دولار كانت مجمدة في البنوك الكورية، وقبلها ( 4 ) مليارات من العراق حولت للبنوك القطرية.
وثانيا : هي أنتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران لمدة ( 10) سنوات، ومنعها من شراء أسلحة مثل الدبابات والطائرات المقاتلة وقطع الغيار يوم الـ18 من تشرين أول/أكتوبر كما هو مخطط له بموجب إتفاقها النووي مع القوى الغربية، وذلك على رغم أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا كانت أخطرت إيران بأستمرار الحظر نظراً إلى إمدادها روسيا بالمسيرات في الحرب الأوكرانية، ومع ذلك رفع الحظر عن إيران، من جانب آخر يمكن للقوى الغربية الموقعة على الإتفاق النووي أن ترسل في غضون 30 يوماً من رفع الحظر خطاباً للأمم المتحدة تعلن عدم أمتثال إيران للأتفاق ومن ثم إعادة فرض كل العقوبات الأممية على إيران، ومن ثم فمن غير المرجح أن تتدخل إيران لدعم حركة حماس في مواجهتها مع إسرائيل لعدم إغضاب الولايات المتحدة في الوقت الراهن، لا سيما أنه ليس هناك توتر في العلاقات معها يستدعي تدخل إيران للضغط على الغرب، كما أن طهران وحفظاً لماء الوجه تحاول دفع بعض وكلائها في المنطقة لإطلاق بعض الهجمات الخفيفة على القواعد الأميركية في سوريا لكنها في إطار عسكري منخفض جداً، إذ تعي إيران وإسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية قواعد الإشتباك بينهم ألتي بموجبها تستطيع أن تحدد مقدار الهجمات العسكرية منخفضة الشدة أو التصعيد العسكري الهادف إلى خسائر فادحة.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
لبنان - بيروت 2023/10/28