الكوفحي يكتب : ملحمة اليرموك (٥) قراءات في الانتصارات

{title}
صوت الحق -
بقلم الدكتور نبيل الكوفحي
حكم العالم القديم دولتان عظيمتان هما الفرس والروم، وقد تقاسما العالم العربي شمال الجزيرة آنذاك. في العهد المكي غلب الفرس الروم، وبعدها - كما جاء في سورة الروم- غلب الروم الفرس، فكانت الدولة الاعظم في حينه.

كانت معركة مؤتة اولى المعارك خارج حدود الجزيرة للمسلمين مع الروم، ثم كانت غزوة تبوك بعدها بسنوات. في سنة ١٥ هـ في عهد الراشدين وقعت معركة اليرموك بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد وبين جيش الإمبراطورية البيزنطية. 

لم تمنع هيبة الدولة العظمى وقوتها المسلمون من نشر الاسلام والدفاع عنه، وقتال من يقف في طريقه، وقد فتح المسملون كثيرا من مدن بلاد الشام ومنها دمشق وحمص وبعض مدن الساحل. ولما اراد امبراطور الروم اعادة هيبة الدولة حشد جيشا عظيما (240.000 مقاتل).

 علم ابي عبيدة عامر بن الجراح بذلك فقرر تجميع قوة المسلمين وأمر بالانسحاب من حمص ورد الجزية لهم، فما كان منهم إلا أن قالوا: "ردكم الله إلينا، ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا علينا، بل غصبونا وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا؛ لَوِلايتكم وعَوْدُكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم”. 

فتجمع للمسلمين قرابة ٢٤٠٠٠ مقاتل، وطلب المدد من المدينة، امر الخليفة عمر خالد بن الوليد رضي الله عنهما بالتوجه الى الشام وترك العراق فقطع الصحراء في خمسة أيام وكان مع خالد بن الوليد عشرة آلاف مقاتل. وحضر كذلك عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة على رأس قوات كذلك رضي الله عنهم جميعا.

كان القادة المسلمون جنودا، يبتغون الاجر من الله تعالى، فلما وصل خالد لابي عبيده رضي الله عنهما وقد كلُف بقيادة الجيش، استجاب الاخير ولم ينازعه مطلقا. كان اعداد الجنود اساسه الايمان، فحينما قال أحد الجنود: ما أكثر الروم وما أقل المسلمين، انتهره خالد وقال: بل ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالخذلان، لا بعدد الرجال.

هجم الروم بعشرات الاف المدججين فصمد المسلمون فضحوا وامتصوا الصدمة، وكان خالد ينتظر بفرسانه الذين لم يقاتلوا يدخرهم لتلك الساعة الحاسمة، فانقضوا على الروم الذين أنهكهم التعب واختلت صفوفهم، فهزموا شر هزيمة.

من أسباب انتصار المسلمين انهم اصحاب رسالة وايمان عميق، يروى أن قائد الروم امر رجلا من العرب في معسكر الروم ليدخل معسكر المسلمين ليأتي باخبارهم؛ فمكث في معسكرهم ليلة حتى أصبح فأقام يومه، ثم رجع إلى قائده قائلا: جئتك من عند قوم يقومون الليل كله، يصلون ويصومون النهار، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، رهبان بالليل فرسان بالنهار، لو يسرق مَلِكُهم لقطعوا يده، ولو زنا لرجموه؛ … نعم فصدق فيهم قوله تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين). 

لم تكن المعارك الفاصلة الا معارك امة، فحتى النساء قاتلن فى معركة اليرموك، ولا زلنا نتذكر بطولات خولة بنت الازور، وأم حكيم بنت الحارث زوجة عكرمة، وأسماء بنت ابى بكر زوج الزبير ابن العوام رضي الله عنهم جميعا.

المحتلون لا يقاتلون لهدف نبيل ولا دفاعا عن ارض، فبلاد الشام بالنسبة للروم ليست ارضهم مما سهل عليهم تركها. والمحتلون في فلسطين لم ولن يكونوا اصحاب ارض يوما ما، فكل الاكاذيب التى روجوها لجعلها ارضهم، تتراجع عالميا وحتى عند بعض اليهود في داخل فلسطين وخارجها.

في معركة طوفان الاقصى، نجد ثبات اهل الارض واستشهادهم عزلا دفاعا عنها، شبابهم وشيوخهم ونساءهم واطفالهم، في المقابل هروب مئات الاف الصهاينة خارج الارض المحتلة ، لانها لم ولن تكون ارضهم مهما ارتكبوا من مجازر وتسلحوا بدعم دول الظلم العالمية. فكما هزم الروم وخرجوا من الشام بعد اليرموك، وخرج الامريكان من افغانستان وقبلها فيتنام لانها ليست ارضهم، فسيخرج الصهاينه من فلسطين الاقصى المبارك، " فالارض بتتكلم عربي".