حلول التكييف المناخي للمزارعين الأردنيين بين إمكانية التطبيق وضعف التمويل - فيديو
صوت الحق -
صدام المشاقبة - عمًان
"المياه لا تكفي لنصف حاجة المزرعة منها" بهذه الكلمات وصف المزارع عبدالقادر سليمان، (65 عاما) الواقع الصعب الذي يعيشه معظم المزارعين في منطقة وادي الأردن، بسبب الآثار المترتبة عن التغير المناخي ومن أهمها نقص المياه. وأضاف أنه يتكبد في معظم المواسم خسائر نتيجة لجفاف جزء من محاصيله الحقلية والخضروات بسبب نقص المياه التي تصل الى مزرعته الواقعة بمنطقة الرامة في غور الأردن بمحاذاة ضفاف البحر الميت.
وحول تناقص كميات المياه المستعملة للري، يقول سليمان ان سلطة وادي الاردن تعطي المزارع في غور الأردن دورتين مياه في الاسبوع كل دورة ٦ ساعات كل ساعة تقريبا 17- 20 متر مكعب، مبينا أن هذه الكمية لا تكفي لسقاية الوحدة الزراعية التي يملكها والبالغ مساحتها 30 دونما، منوها الى انه يحاول بكافة الطرق للحصول على كمية إضافية من المياه لتستمر ديمومة الحياة بالنسبة للأشجار المثمرة والخضروات التي يزرعها.
سليمان ليس المزارع الوحيد في المنطقة الذي يعاني من قلة مياه الري، بل إن الكثير من المزارعين هجروا أراضيهم بسبب تراكم الخسائر نتيجة لهذا المشكل، واتجهوا إلى وظائف في قطاعات الخدمات في العاصمة عمان وباقي المحافظات الأردنية.
ولكن لحسن حظ سليمان وبقية المزارعين، فهناك مبادرات تم إطلاقها من قبل مؤسسات المجتمع المدني تتمحور حول تثقيف المزارعين فيما يخص كيفية تخفيف أضرار التغير المناخي.
وقد استفاد عبدالقادر سليمان خلال عام 2019 من مبادرة تتعلق بكيفية الاعتناء بالموز وتغطيته لتقليل استهلاكه للمياه، نفذتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالتعاون مع وزارة الزراعة الأردنية، بهدف تقليل استهلاك اشجار الموز للمياه، وزيادة إنتاجها، ولافتاً الى ان انتاج اشجار الموز في مزرعته زاد في تلك الفترة، ولكن المبادرة لم يتم تطبيقها على مساحات كبيرة من المزارع.
أزمة المياه بين سندان التغيير المناخي ومطرقة الخلافات السياسية
يعاني نحو 355 ألف دونم من الأراضي الزراعية في منطقة غور الأردن من نقص كميات المياه، فبحسب وزارة الزراعة الأردنية، فإن المساحة المروية المزروعة في منطقة وادي الأردن تشكل حوالي (355346) دونم مزروع منها (100924) دونم أشجار مثمرة و(27935) دونم محاصيل حقلية و(226487) دونم خضروات، أما الأراضي البعلية في وادي الأردن فتبلغ حوالي (5182) دونم منها (1246) دونم أشجار مثمرة و(3827) دونم محاصيل حقلية و (109) دونم خضروات.
لخّص الدكتور زيد السوالقة، رئيس جمعية أصدقاء البحر الميت أسباب نقص المياه في منطقة غور الأردن، بعوامل التغير المناخي والمشكلات السياسية بين دول حوض نهر الأردن (فلسطين، سوريا، لبنان، الأردن، إسرائيل) التي أدت لضعف التنسيق مما أدى الى استمرار الاستهلاك الجائر وبناء أعداد كبيرة من السدود، الأمر الذي أدى الى انخفاض منسوب المياه في نهر الأردن المصدر الأساسي للمياه في البحر الميت، فحاليا تدخل كمية أقل بكثير من المياه إلى البحر من نهر الأردن. حيث كان نهر الاردن يجلب في السابق 1.3 مليار متر مكعب من المياه العذبة كل عام إلى البحر. أما الآن فهو لا يجلب سوى حوالي 100 مليون متر مكعب، وفقا هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية ( USGS).
بالإضافة إلى عوامل التغيير المناخي نقص الامطار كان للخلافات السياسية بين دول حوض نهر الأردن دور سلبي في الواقع البيئي، نتيجة لضعف التنسيق وعدم الالتزام بالاتفاقيات المتعلقة بالمياه، فالملحق الثاني من معاهدة سلام بين الأردن وإسرائيل عام أكتوبر 1994، يتناول تخصيص المياه، وتخزينها، وحمايتها، وغيرها من الأمور التفصيلية. وبحسب الاتفاقية تستقبل إسرائيل 25 مليون متر مكعب من المياه سنويًا، منها 12 مليون متر مكعب في الصيف، و 13 مليون متر مكعب في الشتاء من نهر اليرموك، بينما تستقبل الأردن بقية التدفق.
كما اتفق البلدان أيضًا على أنه يمكن لإسرائيل سحب 20 مليون متر مكعب إضافية في السنة من نهر اليرموك في الشتاء، وبالمقابل تحويل 20 مليون متر مكعب سنويا من مياه نهر الأردن إلى الأردن في فصل الصيف. بالإضافة إلى ذلك، يحق للأردن الحصول على 10 مليون متر مكعب سنويًا من المياه المحلاة. ولكن هذه المعاهدة غامضة في عدد من بنودها، إضافة إلى عدم تنفيذ العديد منها على النحو المبين في الاتفاقية، مما يشكل ضغطاً على التعاون الإسرائيلي الأردني في مجال المياه.
وفيما يتعلق بالتشارك السوري الأردني في المياه، فقد أنشأ البلدان اللجنة العليا لحوض نهر اليرموك وفقًا للاتفاقية الثنائية لعام 1987، واتفقا عام 2009 على إنشاء ست محطات مراقبة مائية على نهر اليرموك لقياس التدفقات المائية عند منبع سد الوحدة، ولكن تلك الإجراءات توقفت بعد الأحداث السياسية التي شهدتها سوريا عام 2011 مما فاقم أزمة المياه.
حلول أمام المزارعين للتكييف المناخي
يرى الخبير الزراعي محمد العوايدة أن هناك العديد من الحلول الزراعية التي تمكّن من التكيّف المناخي ومنها نشر الأصناف ذات الإنتاجية المرتفعة والمقاومة للجفاف والحرارة والملوحة مثل نباتات فاكهة التنين والأناناس، ويؤكد على أهمية مراجعة السياسات الزراعية والائتمانية لتشجيع المزارعين على تبني أساليب الري الحديثة كاستخدام تقنية الري بالتنقيط والهيدروبنك.
قام العوايدة بتطبيق بعض من هذه الحلول المتعلقة بالتكيف مع التغيير المناخي في مزرعته بمنطقة عالية التابعة لمحافظة مادبا، حيث يستخدم نظام الزراعة المائية أو الهيدروبونيك وهو نظام زراعي يتضمن زراعة نبات بدون تربة باستخدام محلول مغذي يمر تحت النبات بدون تربة أو في تربة خاملة مثل "التوف البركاني" و"البيرلايت" كبديل للتربة التقليدية، ولا تتفاعل التربة المحايدة تمامًا بالمغذيات من المحلول الذي يمد النبات بالعناصر الغذائية الضرورية ويسهل امتصاصه.
ويعمل هذا النظام على زيادة الإنتاجية عبر زيادة تسريع نمو النباتات بشكل أسرع من الزراعة التقليدية، وكذلك على توفير المياه عبر الاستفادة من كل قطرة ماء على النحو الأمثل، فلا توجد خسارة بالتبخر أو تسرّب للمياه داخل التربة بعيدًا عن منطقة الجذر النشطة للنباتات.
ويُبيّن العوايدة أن نسبة توفير المياه تتراوح بين 80-90٪ مقارنة بالزراعة التقليدية، مشيرا إلى وجود مبادرات من قبل المنظمات الزراعية بهدف توسيع استخدام هذا النظام الزراعي الذي يتلائم مع واقع نقص المياه في الاردن.
بدأ العوايدة أيضا بزراعة مزروعات قادرة على تحمل نقص المياه ومقاومة آثار التغيير المناخي مثل فاكهة التنين (دراغون فروت) وهي فاكهة منتشرة في شرق آسيا ولكنها تتناسب مع عوامل الطقس في الأردن، لافتا الى ان تجربة زراعتها ما زالت حديثة حتى الان، بالإضافة الى انه يعمل على زراعة فاكهة الاناناس الاستوائية، مشددا على أن هذه الأنواع من النباتات التي تزرع حديثا في الأردن، هي مقاومة لعوامل نقص المياه، ويمكن تعميم التجربة على أكبر قدر من المزارعين مستقبلا.
أطلق المهندس العديد من المبادرات لتوعية المزارعين، وقام بإنشاء صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تثقيف المزارعين بهذا الحلول، بالإضافة إلى أنه أطلق مبادرة تتعلق بإنشاء صندوق لدعم المزارعين عام 2010، بهدف التكيف مع الآثار المترتبة على التغير المناخي، مؤكداً على أن الآلاف من المزارعين خلال السنوات الماضية استفادوا من الصندوق، عبر حصولهم على أموال تمكنهم من استخدام تقنيات الري الحديثة.
المزارع عاطف الجعارات أشار إلى أنه استفاد من صندوق دعم المزارعين لتخفيف آثار التغير المناخي ونقص المياه بين عامي 2018 - 2020، مبينا أنه حصل على مبلغ 4 آلاف دينار أردني (6 آلاف دولار)، لمواجهة الآثار السلبية لارتفاع درجات الحرارة بمعدلات أعلى من معدلاتها المعتادة، لافتًا إلى أن هذه المبالغ جيدة لمعالجة أزمة يتعرض لها المزارع في موسم معين ولكنها لا تحقق حلولا مستدامة.
وأردف الجعارات أنه اطلع على تجربة العوايدة في توظيف تقنية الهيدروبونيك، وقام بتطبيقها على جزء من مزرعته الواقعة في منطقة الرامة، مشددا على أهمية نشر الوعي بين المزارعين نحو ضرورة توظيف تلك التقنيات الحديثة، لتحقيق أكبر قدر من الفائدة للقطاع الزراعي الاردني.
وشدد الجعارات على أن المبادرات والجهود التوعوية الذي يبذلها العوايدة تنعكس إيجابا على إنتاج عدد من المزارعين في مناطق ذيبان والاغوار، الا ان هنالك حاجة كبيرة لدعم تلك المبادرات من قبل الجهات الحكومية بتحقيق أكبر قدر من الفائدة.
من جهته، يرى معتز العدوان، المزارع في منطقة الغور (30 عاما) أن هناك نقصا كبيرا في البيانات والمعلومات المتعلقة باستخدام المياه للزراعة في الاردن، الامر الذي يضعف من قدرة المزارعين على وضع وتحديد الحلول وتطبيقها، متابعا أن نقص المعلومات التثقيفية يضعف أيضا من ثقة المزارع بالحلول المطروحة مثل نجاعة أنظمة الري الحديثة و استقطاب نباتات ومزروعات جديدة، موضحاً ان كثير من المزارعين ليس لديهم ثقة بزراعة المزروعات الجديدة لأنهم يجهلون طرق تسويقهم وأساليب زراعتها.
وأردف العدوان أن الاتحادات والمنظمات المحلية يقتصر عملها على التفاعل مع الحوادث الفردية والآنية التي يتعرض لها المزارعون، دون وضع استراتيجية لإيجاد حلول دائمة تنقذهم من الوضع الصعب الذي يعانون منه.
دور الدولة
يُبيّن لورانس المجالي، الناطق باسم وزارة الزراعة الاردنية أن الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات للتكيف مع التغير المناخي، من أبرزها اعتماد التقنيات الحديثة المتعلقة بتقليل استهلاك المياه، بالإضافة الى عدد اجراءات تتعلق بزيادة الحصاد المائي في المناطق الشرقية من المملكة، بهدف اعادة المراعي إلى مسارها القديم، حيث تم انشاء 115 سد ترابي ، بالاضافة الى زيادة اعداد آبار تجميع المياه، موضحا ان المقصود بالحصاد المائي هو تحفيز الجريان السطحي لمياه المطر، وجمعها، وتخزينها، وحفظها لأغراض الإنتاج الزراعي.
وتابع المجالي ان الوزارة متعاونة مع المنظمات الدولية والشركات الزراعية الخاصة لنقل التكنولوجيا الزراعية الحديثة من خلال المركز الوطني للبحوث الزراعية، مشددا على أن الحكومة تقوم على دعم المزارعين في مختلف مناطق المملكة، لتوفير التقنيات الحديثة من خلال صندوق الاقراض الزراعي، حيث تم تمويل المزارعين بنحو 25 مليون دينار (23 مليون دولار امريكي).
ولفت كذلك إلى أن الأردن يعاني منذ السنوات الأخيرة من قلة عدد الأيام المطرية، موضحا أنها قلت عن 40 يوما في العام، حيث انخفضت معدلات الأمطار خاصة في المناطق الشمالية من المملكة.
ويبقى تطبيق الحلول الزراعية للتكيف مع التغير المناخي ونقص المياه منحصرا في نطاق ضيق، بانتظار مزيد من الدعم والبرامج التوعوية ضمن استراتيجيات حكومية تمكن المزارع عبدالقادر سليمان وباقي المزارعين الأردنيين من اعتماد واسع النطاق لتلك الحلول