فيلم أمنية أخيرة… لمحة عن تعقيدات التعامل مع حتمية المعاناة
صوت الحق -
"القرارات والقيم تسير جنبًا إلى جنب. وهذا التمرين البسيط سيساعدنا على اختبار ذلك. تكمن الإجابة في الحبل. عندما أسحب طرفيه، هل سيشكل عقدة أم لا؟"
تبني المخرجة عريب زعيتر فيلمها القصير الأحدث "أمنية أخيرة"، والذي يشهد عرضه العالمي الأول بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي (13 - 22 نوفمبر) حول رمزية الحبل وما تعنيه داخل علاقة سيرين وجدتها (سلوى نقارة - شادن قنبورة) حيث يبدأ الفيلم بمشاهد لسيرين وهي ترتب كومة من الحبال على المنضدة أمامها بينما ترتدي بذلة عمل رسمية، وترى أمامها جدتها تملأ عينيها إحساس كبير بالفخر.
يأخذنا الفيلم من خلال مونتاج متمهل يعمل كومضات تأتي من الذاكرة للمحات عن علاقة الفتاة وجدتها، فكل النجاح الذي حققته سيرين هو بفضل جدتها سلمى. تأثير جدة سيرين عليها يلازمها باستمرار، رغم بعد المسافة بينهما. حين نرى سيرين في مكتبها تدير اجتماع مع بعض من زملائها، تتلقى خبرًا مؤلمًا يخص جدتها وتمضي برحلة طويلة كي تجتمع بها. عند وصولها، تدرك سيرين مدى صعوبة فهم ما تطلبه جدتها. ولكن عندما تتوصل سيرين لرغبة الجدة، يتبين لها أن تحقيق تلك الرغبة إنما هو يفوق أي عائق واجهته سيرين خلال تلك الزيارة.
تتواصل جدة سيرين معها من خلال النظرات، فهي متصلة بعدة أنابيب تعيق التواصل بينهما بشكل طبيعي. يسحب كل منهما طرف من الخيط، في محاولة للوصول إلى خط متصل يبدأ عند الجدة وينتهي عند حفيدتها. لكن ما يشكّل صدمة لدى سيرين قرب نهاية الفيلم هو العقدة التي تتكون بينهما، ليس لانعدام قدرتها على فهم جدتها، إنما لعدم تصديقها للأمنية الأخيرة التي تتطلبها، وعدم يقينها إذا كانت قادرة على تلبية هذا الطلب أم لا.
وهنا يأتي السؤال الأهم الذي يطرحه الفيلم، والذي يهدف إلى إثارة مختلف المشاعر لدى الجمهور من حيرة إلى قلق إلى تخوّف وحزن. فعندما تطلب الجدة بعينيها الخلاص، تقف الحفيدة حائرة أمام طلب كهذا. ما الصواب وما الخطأ هنا؟ وهل ستكون هي من ينزع عنها آخر ما يبقيها على قيد الحياة؟ نرى قرب نهاية الفيلم تبادل النظرات بين سيرين وجدتها، نظرات يعتريها الرجاء من جانب والرعب من جانب آخر بينما يزداد حجم العقدة، وبينهما لا يدري المشاهد إلى أين قد تأخذه نهاية الفيلم.
تحدثت المخرجة عريب زعيتر، وهي مخرجة أفلام مستقلة وسبق وترأست قسم التدريب الإقليمي في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، عن تجربتها الشخصية التي ألهمت هذا الفيلم "عندما دخلت الغرفة القاتمة التي كانت جدتي ترقد فيها مريضة في بلدتي نابلس، استحوذ عليّ سيل جارف من المشاعر. لقد تمكنت من تمييز النداء الصامت الذي وصلني من أعماق نظرتها".
وخلال الخمسة عشر دقيقة وهي المدة الزمنية للفيلم، يستحوذ على الفيلم سيل جارف من المشاعر مماثل لذلك الذي ذكرته المخرجة، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الأداء الرائع والحساس للغاية من سلوى وشادن والذي كان العامل الأساسي في نقل المشاعر التي شعرت بها كل شخصية إلى المشاهد وتوريطه هو الآخر في تلك المعضلة الوجودية والأزمة الأخلاقية التي لا يمكن التعامل معها بمنأى عن الشعور بالتعاطف والأسى.