هل يُصلح الأردن من يهاجمه مع كوهين؟

صوت الحق -
بقلم: سهم محمد العبادي
لا أكتب من مكاتب مكيّفة في عواصم الاغتراب، ولا من كواليس الفضائيات، ولا من ممرات الفنادق الباردة...
بل أكتب من أرض الرجال، من عمّان، من حيّ ترتفع فيه راية الأردن العظيم، ومن شارعٍ إن مشيت فيه شعرت بثقل التاريخ على كتفيك، وسمعت صدى قسم الجندية بالعبدلي في أذنك.
أكتب من وطنٍ عرقه بارود، وترابه مجبول بدم الشهداء، ومن خلفه رجال إذا جاعوا صبروا، وإذا خاصموا لم يخونوا، وإذا اختلفوا قالوا: "الأردن العظيم فوق كل شيء".
من الكرك التي لا تعرف الانحناء، ومن السلط التي تنام على نخوة، وتصحى على عزيمة، من وادي شعيب الذي ما زال يحتفظ بندى الفجر على وجه المزارعين، من الزرقاء حيث البيادة أشرف من ألف منبر خارجي، ومن مؤتة التي تعلّمت منها الخيول كيف لا تُلقي اللجام أمام الخصم.
من المفرق حيث الأولاد يكبرون وهم يحلمون بالفوتيك.
من "أم قيس" التي وقفت على الحُدود منذ النكسة، ولم تهزّها رياح الهزيمة.
في وطني... لا تُباع الكرامة في برامج النقاش، ولا تُشترى الوطنية بمداخلات تلفزيونية.
وطني لا يحتاج من يتحدّث عنه من الخارج، بل يحتاج من يحرسه من الداخل بصمت الشجعان، لا بضجيج الهاربين.
ما يُسمّى اليوم "معارضة الخارج" لم تعد معارضة، بل انحدارٌ أخلاقي وسقوط وطني كامل.
من يقف على شاشة تُبث من أرض العدو، ويكيل التهم لبلده، لا يُعارض بل يتشفّى، لا يُنقّح السياسات، بل يمسّ بكرامة الأردن.
بل الأدهى من ذلك، أنهم ما عادوا يخفون وجههم الحقيقي، فقد ظهر بعضهم على ذات الشاشة، وفي ذات الفقرة، جنبًا إلى جنب مع إدي كوهين – ذلك الذي لم يُخفِ يومًا عداوته لهذه الأرض، ولا حقده على شعبها.
جلسوا إلى جواره، تحدثوا بلُغته، ووجّهوا سهامهم إلى صدورنا، يدًا بيد مع من يتمنّى للأردن الزوال.
فأيّ معارضة هذه، حين تتقاطع مع مواقف كوهين؟
أيّ وجه وطني يبقى، إن كان ظهره يستند إلى عدوّ الأمس واليوم والمستقبل؟
المعارضة الحقيقية لا تُؤجّر، ولا تُدار بالريموت، ولا تُصاغ بلغة المراسلين الأجانب.
المعارضة في الأردن تعني أن تقف وجهًا لوجه، لا أن تهمس من خلف الحدود.
تعني أن تقول: "اختلف مع الحكومة"، ثم تختمها بقولك:
المعارض الحقّ هو الذي إن أنهى نقده، رفع كفّيه وقال: اللهم احفظ الأردن، أرضًا وشعبًا وقيادة.
وأنا… أرى وطني بعين الناقد، لا بعين الحاقد.
أما أنتم يا من ترتدون الأقنعة، وتجلسون في أحضان المنصات الغربية، تتحدّثون عنّا كما لو كنتم لا تعرفوننا…
فنحن لا نعرفكم، ولن نذكركم يوم يُكتب التاريخ.
من خان تراب هذا الوطن، فلا شماغه يُنقذه، ولا لسانه ينفعه، ولا ظهوره المتكرر سيجلب له غير الخزي.
من لا يسمع صدى الشهداء في حجارة الكرامة، ولا يشمّ رائحة الأرض في الرويشد، ولا يفهم معنى الدحنون إذا نبت في أرض ارتوت بالدم...
فهو ليس منا، ولا يستحق حتى إن يُلعن باسمنا.
وأعلم أنكم ستردّون من وراء الشاشات، من خلف ستائر الاستديوهات، لكن أصوات البنادق التي أطلقها أجدادنا دفاعنا عن الأردن، أصدق من كل مداخلاتكم.
وصوت جنازير الدبابات في معركة الكرامة أطهر من كل كلماتكم.
فلو كنتم بيننا، لقلنا: خلاف رأي.
أما وأنتم هناك، فلا خلاف، بل خصومة مع الأرض، واللغة، والدم، فكيف إذا كان كل ذلك مدفوعاً بالشيكل؟