المراهنات الرياضية تتسلل إلى الجمهور العربي رغم حواجز القانون

صوت الحق -
">لمشاهدة المادة المرئية اضغط هنا
أسيل جخلب – عمان - بينما يتسابق اللاعبون على أرض الملعب، هناك من يخوض مباراة من نوع آخر. جاك، شاب أردني في منتصف العشرينيات، لا يكتفي بتشجيع فريقه المفضل، بل يضع رهانه على النتيجة، وعلى كل تمريرة وتسديدة، في عالم رقمي يزداد سطوةً وإغراءً.
جاك ليس حالة فريدة؛ ففي عالم تجاوزت فيه قيمة سوق المراهنات الرياضية العالمية هذا العام حاجز 48.17 مليار دولار، ويتوقع أن تصل إلى أكثر من 83 مليار دولار بحلول عام 2029، وفق شركة Mordor Intelligence، تبدو هذه الهواية وكأنها تتحول إلى ظاهرة عالمية متصاعدة.
لكن هذا الولع لا يخلو من الثمن، فجاك يعترف أن المراهنات أثرت على نمط حياته، أوقاته، وحتى علاقاته الاجتماعية.
ووفقًا لمنصة "فورتشن العربية” المتخصصة، يُقدَّر عدد المراهنين العرب عبر الإنترنت بعشرات الملايين، في ظل انتشار تطبيقات تحوّلت إلى تجارة بملايين الدولارات، رغم حظرها القانوني في معظم الدول العربية.
في السعودية، وضع أكثر من 38% من السكان رهاناتهم على أحداث رياضية في عام 2023، بينما تشهد مصر ما لا يقل عن 5 ملايين مستخدم لتطبيق واحد فقط، غالبيتهم من الشباب في العشرينيات، بحسب تقارير محلية مصرية.
أما في الأردن، فرغم غياب الإحصاءات الرسمية، إلا أن تقارير دولية تشير إلى أن قيمة المراهنات في الدوري الأردني وصلت إلى 5.1 مليون دولار خلال موسم 2017-2018، بحسب شركة سبورت رادار. ويحدثنا الصحفي الرياضي المتخصص راغب عز الدين عن أسباب انتشار المراهنات ومخاطر التلاعب بالنتائج على المنافسة الرياضية.
الفقر والطمع والإثارة .. خلف الكواليس
قال الدكتور عمر الزيود، الخبير في علم الاجتماع، إن انتشار ظاهرة المراهنات في العالم العربي يعود إلى عدة عوامل متشابكة، في مقدمتها تدهور الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر في عدد من الدول العربية، مما يدفع البعض إلى البحث عن حلول سريعة لتحسين أوضاعهم المالية، حتى وإن كانت محفوفة بالمخاطر.
وأوضح الزيود أن الدافع النفسي للمراهنة يرتبط أيضاً بالطمع والرغبة في الكسب السريع، وهي خاصية بشرية قديمة قدم التاريخ، مشيرًا إلى أن الإنسان بطبيعته يسعى للربح بأقل مجهود ممكن، وهو ما يجعل المراهنات أرضًا خصبة لتلك الرغبات.
وأضاف أن الارتباط العاطفي والثقافي بالرياضة، وخصوصًا كرة القدم، يلعب دورًا محوريًا في تفشي الظاهرة، لافتًا إلى أن الجماهير العربية تولي اهتمامًا واسعًا بالمباريات، ما يجعل المراهنات وسيلة إضافية تزيد من حماس المتابعة والانخراط في الأجواء الرياضية
وأكد الزيود على أن مواجهة ظاهرة المراهنات لا يمكن أن تتم إلا من خلال توعية شاملة، تبدأ من الأسرة وتُدعَم من قِبل المؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية. وشدّد على ضرورة إنتاج محتوى إعلامي وتوعوي يسلّط الضوء على حقيقة هذه الظاهرة، موضحًا أنه "لا يوجد رابح حقيقي في المراهنات، فالمكاسب الفعلية تذهب إلى الشركات العالمية والإقليمية التي تجني مئات الملايين من الدولارات سنويًا على حساب أحلام الناس وطموحاتهم”.
ودعا إلى تعزيز ثقافة الوعي النقدي لدى الأفراد، وخاصة فئة الشباب، حتى لا يقعوا ضحية أوهام الربح السريع، مؤكدًا أن الحل لا يكمن فقط في المنع أو القوانين، بل في بناء قناعة مجتمعية بخطورة هذا السلوك وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية.
موقف القانون الأردني
قال الخبير القانوني راجي المزاهرة إن القانون الأردني يتعامل مع القمار بوصفه جريمة يُعاقب عليها، حيث تنص المادتان 393 و394 من قانون العقوبات على تجريم ممارسة القمار في الأماكن العامة أو المُعدة لهذا الغرض، وتصل العقوبات إلى الحبس ومصادرة الأموال والأدوات المستخدمة. وأكد المزاهرة أن المشرّع الأردني يتعامل بصرامة مع هذا النوع من الأفعال حفاظًا على النظام العام والأخلاق العامة.
وأضاف المزاهرة أن القانون لا يميز بين القمار التقليدي والقمار عبر الإنترنت، بل إن الأخير يدخل ضمن نطاق الجرائم الإلكترونية، خصوصًا إذا تم استخدام الشبكة العنكبوتية لترويج أو تيسير مثل هذه الأنشطة غير المشروعة. وأشار إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية يتيح للجهات المختصة ملاحقة من يدير أو يشارك في مواقع القمار، حتى وإن لم تكن هناك نصوص صريحة في قانون العقوبات حول القمار الرقمي.
وأوضح المزاهرة أن هناك استثناءات محدودة تتعلق بألعاب الحظ المرخّصة من قبل الدولة، مثل اليانصيب الخيري الذي يتم تنظيمه تحت إشراف رسمي ويُخصَّص ريعه لأغراض عامة. لكنه شدد على أن أي نشاط خارج هذا الإطار يُعدّ مخالفًا للقانون، ويعرّض مرتكبيه للمساءلة، داعيًا المواطنين إلى تجنب الانخراط في مثل هذه الممارسات، سواء داخل الأردن أو عبر الإنترنت.
تحايل لتجنب توقيف الحسابات البنكية
كشف الشاب الأردني زيد زهد عسلي، البالغ من العمر 35 عامًا، عن ممارسته للمراهنات الإلكترونية منذ نحو عشر سنوات، مشيرًا إلى أنه تعرّف على هذا النشاط أثناء دراسته لتخصص الطب في العاصمة الروسية موسكو قبل حوالي خمسة عشر عامًا.
وأوضح عسلي في حديثه أن عودته إلى المملكة بعد إنهائه للدراسة شكّلت صدمة بالنسبة له، بعدما اكتشف أن القوانين الأردنية، وبحسب تعليمات البنك المركزي، تحظر المراهنات وتعاقب عليها من خلال إيقاف جميع الحسابات البنكية المرتبطة بالمستخدم داخل المملكة.
وأشار عسلي إلى أنه لجأ إلى التحايل على الأنظمة المالية المحلية من خلال تحويل الأموال إلى محفظة إلكترونية عالمية (باي بال)، ومن ثم استخدامها في عمليات المراهنة على مواقع إلكترونية دولية متخصصة.
وأعرب عن استغرابه مما وصفه بـ”التناقض” في السياسة المالية، متسائلًا عن أسباب منع المراهنات في الوقت الذي يُسمح فيه بتداول إلكتروني واسع في مجالات أخرى، بعضها – وفق تعبيره – يحمل مخاطرة مشابهة. وطالب عسلي الجهات المعنية بإعادة النظر في المنع المطلق للمراهنات، لا سيما تلك المتعلقة بكرة القدم، معتبرًا أن "السماح بها ضمن أطر محددة قد يشكّل متنفسًا ترفيهيًا مشروعًا للشباب”، على حد قوله.
يُذكر أن تعليمات البنك المركزي الأردني تُعدّ صارمة فيما يخص المراهنات، وتمنع التعاملات المالية المرتبطة بها، في إطار الحفاظ على المنظومة الأخلاقية والاقتصادية داخل الدولة، ومنع تسرّب الأموال إلى أنشطة غير مشروعة أو عالية المخاطر.
نشاط متصاعد بين الغموض القانوني والتغاضي المجتمعي
يؤكد الصحفي الرياضي حسام نصّار أن المراهنات الرياضية باتت واقعًا لا يمكن تجاهله في العالم العربي، رغم الطابع القانوني الذي يمنعها في غالبية الدول. ويوضح أن "أغلب الدول العربية تحظر المراهنات بشكل قانوني، لكن الواقع مختلف؛ فهذه الأنشطة موجودة فعليًا، سواء عبر الإنترنت أو بطرق ملتوية محليًا، في ظل غياب آليات رقابة فعالة أو بسبب الغموض القانوني الذي يلف هذا القطاع في بعض الدول”.
ويضيف: "هنالك دول عربية قليلة، مثل المغرب وتونس ولبنان، تسمح بالمراهنات ضمن أطر قانونية ورقابة حكومية، وغالبًا ما تقتصر على قطاعات محدودة شروط صارمة”.
ويشير نصّارإلى أن بعض الدول العربية باتت "ترخص شركات لألعاب إلكترونية وترفيهية، لكنها تترك ثغرات يدخل من خلالها عنصر المراهنة الرياضية”، مؤكدًا أن هذا الالتباس القانوني ساهم في تنامي ظاهرة المراهنات في الخفاء. ويشرح: "الحدود بين الترفيه والمراهنة بدأت تتلاشى، خصوصًا في بعض التطبيقات والألعاب، وهذا يجعل من الصعب التفريق بين المسموح والممنوع قانونًا، ما يزيد من توسع هذا النشاط حتى في البلدان التي تحظر المراهنات تمامًا”.
ويختم نصّار قائلاً: "السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا ملحوظًا في حجم المراهنات داخل العالم العربي، نتيجة عدة عوامل متداخلة، أبرزها النجاح التنظيمي والإعلامي لكأس العالم في قطر، الذي زاد من شعبية كرة القدم إقليميًا، إلى جانب انتشار التكنولوجيا وتوسع منصات التواصل الاجتماعي، ما سهل انتقال ثقافة المراهنات من أوروبا إلى المجتمعات العربية، مشددا أننا اليوم، نحن أمام واقع جديد يتطلب مراجعة القوانين ومواكبة التطورات الرقمية لضمان حماية الجمهور، لا سيما فئة الشباب”.
ضعف التناول الإعلامي .. الطرح متفاوت بين المشرق والمغرب
أكد الأستاذ أحمد عياش، المدرس في كلية الإعلام بالجامعة العراقية في بغداد، أن الإعلام الرياضي العربي يعاني من ضعف في التغطية المتعمقة للقضايا الحساسة والمؤثرة، وعلى رأسها ظاهرة المراهنات الرياضية التي بدأت تأخذ حيزاً متنامياً في المشهد الرياضي الإقليمي. وأشار عياش إلى أن وسائل الإعلام غالباً ما تكتفي بنقل نتائج المباريات وتحليل الفوز والخسارة، دون التطرق إلى الإشكاليات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بالمراهنات، والتي قد تؤثر سلباً على نزاهة الرياضة ومصداقيتها. ودعا إلى ضرورة أن ينهض الإعلام بدوره التوعوي والرقابي، وأن يتعامل مع قضايا مثل المراهنات بوصفها تحديات جدية تستحق المتابعة والتحقيق، لا أن تُترك في هامش التغطية الإعلامية
وتابع عياش، أن هناك نقصاً واضحاً في الأرقام والتصريحات الرسمية المتعلقة بظاهرة المراهنات الرياضية في دول المشرق العربي، مثل العراق والأردن، وهو ما ينعكس سلباً على قدرة الإعلام في تناول هذه القضية بعمق ومهنية. وبيّن أن هذا الغياب المعلوماتي يفرض على الإعلام واجباً أكبر في إنتاج مواد صحفية استقصائية ومعمّقة حول هذه الظاهرة، التي تُعد من القضايا المسكوت عنها رغم آثارها المتنامية. وأضاف أن هذا النقص في التغطية الإعلامية في مشرق الوطن العربي يقابله نوع من الانفتاح النسبي في تناول الموضوع نفسه في دول المغرب العربي، حيث تُناقش قضايا المراهنات الرياضية بشكل أكثر صراحة ووضوح، ما يخلق فجوة في المعالجة الإعلامية تستدعي التوقف والمعالجة.
من كرة القدم إلى سباقات الخيول وحتى الرياضات الإلكترونية، تنتشر المراهنات في الدول العربية بوتيرة متسارعة، مدفوعة بالإثارة، والتكنولوجيا، وربما الحاجة أيضًا.
ورغم تحذيرات الخبراء وغياب التنظيم، تستمر هذه الظاهرة في التمدد، لا سيما في بلدان مثل الأردن، حيث تتشابك الرياضة بالتقنيات الحديثة، ويبحث الشباب، مثل جاك، عن الإثارة وربما، الخلاص في رهان.