"بيت العمال" يصدر ورقة سياسات شاملة حول العمل على المنصات الرقمية في الأردن

{title}
صوت الحق -

أصدر المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال" ورقة سياسات بعنوان "العمل على المنصات الرقمية في الأردن"، بهدف تقديم قراءة شاملة متعددة الأبعاد لهذه الظاهرة التي باتت تستقطب آلاف الشباب الأردنيين، في وقت تتسارع فيه التحولات في سوق العمل بفعل التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.

وأظهرت الورقة التي اعتمدت على مراجعات قانونية ومقاربات مقارنة مع تجارب دولية، أن قطاع العمل عبر المنصات الرقمية، سواء في توصيل الركاب والطلبات أو في تقديم الخدمات التقنية عن بعد، يمثل متنفسا حيويا لآلاف الباحثين عن فرص دخل، لكنه في الوقت ذاته يفتقر لغطاء قانوني فعال يضمن حقوق العاملين فيه، إذ يقدر عدد العاملين في توصيل الطلبات والسلع بنحو 25 ألف أردني معظمهم من الشباب، وكذلك العاملين في النقل الذكي بنحو 13  إلى 15 ألفا، بينما يشتغل ما يقارب 10 إلى 15 ألفا في خدمات العمل الرقمي مثل البرمجة والتصميم والترجمة، معظمهم دون أي اشتراك في الضمان الاجتماعي أو تنظيم نقابي أو حماية من الفصل التعسفي.

وأكدت الورقة أن قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 لا يتضمن أي تعريف أو تنظيم خاص للعمل عبر المنصات الرقمية، حيث ينحصر تعريف العامل فيمن يعمل تحت إشراف وإدارة مباشرة من صاحب العمل، دون مراعاة للأشكال الحديثة من الرقابة الخوارزمية التي تمارسها التطبيقات الرقمية، كما أن قانون الضمان الاجتماعي رقم (1) لسنة 2014 يربط الاشتراك الإلزامي بوجود علاقة عمل بأجر وفق ذات الفهم التقليدي، ما يجعل آلاف العاملين في هذا القطاع خارج أي تغطية ضد إصابات العمل أو المرض أو الشيخوخة أو حتى التعطل.

وتطرقت الورقة إلى أن غياب أي قواعد تشريعية تلزم المنصات بالإفصاح عن كيفية تحديد الأسعار وتوزيع الطلبات وتقييم الأداء، يجعل من الخوارزميات عمليا "صاحب العمل غير المرئي" الذي يتحكم بمصير هؤلاء العاملين دون أي التزامات بالشفافية أو آليات للطعن، ما يعرضهم لتغييرات مفاجئة في الدخل أو حتى الإيقاف عن العمل دون إنذار أو تعويض.

كما سلطت الورقة الضوء على أن العاملين على المنصات الرقمية في الأردن يفتقدون لأي مظلة تنظيمية مهنية أو نقابية تدافع عن حقوقهم أو تفاوض باسمهم، رغم أن الدستور الأردني يضمن حرية تكوين الجمعيات وقانون العمل يكفل حق التنظيم النقابي، واعتبرت الورقة أن هذه الفجوة التنظيمية تزيد من هشاشتهم في سوق العمل وتجعلهم عرضة لاستغلال مضاعف مقارنة بالعاملين في القطاعات التقليدية.

وفي الجانب الاقتصادي والاجتماعي توقعت الورقة استنادا إلى معدلات النمو العالمية والإقليمية في هذا القطاع أن يرتفع عدد العاملين على المنصات في الأردن بنسب تتراوح بين 60% إلى 80% خلال السنوات الخمس القادمة، ما سيجعل هذا القطاع مكونا رئيسيا في سوق العمل الأردني، لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن استمرار هذا النمو دون أطر تشريعية سيعمق من مشكلات الاقتصاد غير المنظم وغياب العدالة الاجتماعية الرقمية.

واستعرضت الورقة نماذج دولية متعددة مثل إسبانيا التي أقرت قانون Riders في 2021 لإعادة تصنيف عمال التوصيل كعمال لهم حقوقهم الكاملة، وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا التي أصدرت محاكمها أحكاما مشابهة، وبلجيكا وإيطاليا التي اعتمدت تشريعات واتفاقات جماعية متقدمة بنفس التوجه، وكذلك الأرجنتين وتشيلي حيث لعبت النقابات دورا محوريا في تنظيم هذا النوع من العمل، كما سلطت الضوء على الاتجاهات الدولية الأحدث، بما في ذلك مسار منظمة العمل الدولية التي شرعت في إعداد صك دولي خاص ينظم علاقات العمل على المنصات الرقمية. ومنظمة العمل العربية التي أصدرت اتفاقية خاصة بالأنماط الجديدة للعمل العام الماضي 2024.

وفي ختامها دعت الورقة إلى تبني إصلاحات تشريعية جذرية تعيد صياغة العلاقة بين المنصات والعاملين لديها من خلال تعديل تعريف العامل في قانون العمل الأردني ليشمل كل من يخضع فعليا لرقابة خوارزمية أو تبعية اقتصادية حقيقية، وإلزام المنصات الرقمية بالمساهمة في الضمان الاجتماعي بما يضمن للعاملين فيها تغطية إصابات العمل والتقاعد والتأمين الصحي، كما شددت على ضرورة إقرار قواعد وطنية واضحة تفرض على المنصات الإفصاح بشفافية عن آليات الخوارزميات التي تحدد الأجور وتوزع الطلبات وتقيم الأداء بما يكفل حق العاملين في معرفة أسس تنظيم دخلهم وطبيعة تقييمهم، إلى جانب تمكين هؤلاء من تأسيس نقابات خاصة بهم بما يتيح لهم التفاوض الجماعي على شروط عملهم، وحثت الورقة كذلك على انخراط الجهات الرسمية بفعالية في مسار منظمة العمل الدولية لإعداد الصك الدولي الجديد الخاص بالعمل على المنصات، والمصادقة على الاتفاقية الصادرة عن منظمة العمل العربية حول الأنماط الجديدة للعمل، بما يواكب التحولات الرقمية ويضمن عدالة اجتماعية أوسع.
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS