البدو : سيرة انتماء للأرض وهوية راسخة

صوت الحق -
بقلم: محمد خضير
خطاب البدو في سوريا يكشف زيف الصورة النمطية التي رُوّجت لكون دور العشائر قائمًا فقط على العصبية والانغلاق، التي ملأت المجال العام بوصم دور العشائر بما فوق الوطنية، واعتبار العصبية هي فقط ما يجمعهم، فالتاريخ الممتد منذ بدايات القرن العشرين حتى اليوم، مع ما شهده من تحولات سياسية وما طرأ من تغيّر نمط الإنتاج في البادية، وبقاء قيمها وموروثها وسمات الشخصية مستقرة في النسق الذهني في تفاعلهم مع بيئتهم وانتمائهم للأرض،
إن إعادة قراءة هذا الواقع تسهم في تصحيح كثير من الأحكام المسبقة حول السلوك السياسي وثقافة الفرد وعلاقته بحاضنته الاجتماعية بما تحمله من خصوصية قد تغرق بها أحيانًا، إلا أنها تبعث على التفرد في رؤية أفق أرحب للآخر، في إطار إثراء المجتمع بتنوعه، وأيضًا في قوى تمثيله وروافع بناء الدولة الحاضنة لترجمة فكرة الوطن في بوتقة من البناء القانوني والمؤسساتي.
ولا يمكن تقييم أي مشاركة سياسية بمعزل عن الظروف التي أنتجتها؛ إذ تتباين الدوافع ووسائل التعبئة السياسية وأسباب الانحياز بين العشائر، نتيجة لطبيعة البيئة من جهة، وطبيعة الأنظمة الانتخابية القائمة من جهة أخرى، والتي غالبًا ما غذّت الانقسام على أسس عائلية ضيقة، امتدت أحيانًا حتى إلى المدن، مع تركيز التعبئة السياسية على انتماءات عمودية عتيقة، بما يصبغ الولاء لها بما تمثله من شرعية معبرة عن الشعب برمته. ولا يمكن أخذ أي تفاعل سياسي بمعزل عن الظروف التي أنتجته؛ إذ تتباين الدوافع السياسية ووسائل التعبئة السياسية وأسباب الانحياز في عناوينهم السياسية نتيجة لطبيعة البيئة من جهة، وطبيعة الأنظمة الانتخابية من جهة أخرى، التي غالبًا غذّت الانقسام والتعبئة السياسية على أسس عائلية ضيقة امتدت أحيانًا حتى إلى المدن وغيرها من الانتماءات الاجتماعية ذات الأصل العمودي.
ما ينبغي الإشارة إليه من ذلك أن ما يُعزى في كثير من الأحيان إلى تحميل الدور العشائري، وعلى رأسه البدو، في غير موضعه الصحيح في تشخيص الحالة موضوعيًا، وما يعبر عن دحض كثير من ذلك الوقائع العصيبة، وكيف تتم ذات التعبئة على أساس عابر للعشيرة، والنسق الذهني المستقر تاريخيًا في سمات شخصيتها نحو الوطن، في معادلة طردية تخضع لمدى شرعية النظام وعدالته، سياساتٍ وقوانينَ تسهم في تعميق الاصطفاف الوطني حوله.