ندوة في منتدى الحموري تبحث مستقبل إيران في ظل المواجهة مع أمريكا وإسرائيل

صوت الحق -
عمان – استضاف منتدى محمد الحموري للتنمية الثقافية، مساء أمس، الباحث والأكاديمي الدكتور وليد عبد الحي في ندوة بعنوان: "مستقبل إيران في ضوء المواجهة مع أمريكا وإسرائيل"، قدّم خلالها قراءة تحليلية معمّقة لمستقبل إيران استنادًا إلى دراسته لـ112 مؤشرًا تغطي الجوانب الجغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.
وحدد عبد الحي رؤية إيران للعام 2025، التي أُطلقت عام 2005، مرجعا لقراءة مستقبل إيران في ظل ما تحقق منها حتى الآن، بناءً على تحليل أثر المؤشرات المذكورة عبر السنوات الماضية واستشراف مستقبلها، مع تسليط الضوء على تسارع وتيرة بعض المؤشرات مقارنة بغيرها.
وفي قراءته للضربة الأخيرة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، اعتمد عبد الحي على نتائج دراسات صادرة عن 17 مركز أبحاث دولي من الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل، خلص من خلالها إلى أن حجم الأضرار كان أكبر مما تعلن عنه إيران، وأقل مما يروج له الجانب الأمريكي. وأشار إلى أن إيران قامت، استباقًا للضربة، بتغطية مواقع مفاعلاتها بكميات كبيرة من الأتربة للحد من الخسائر، بحسب معهد بريماكوف الروسي.
وتحدث عبد الحي عن الاستراتيجية الإيرانية في توزيع منشآتها النووية، حيث تفصل بين كل مفاعل وآخر مسافة لا تقل عن 450 كم، ما يُصعّب من استهدافها بشكل شامل. ووفق معهد العلاقات الدولية الصيني، فقد تم نقل كميات من اليورانيوم إلى أماكن غير معلومة قبيل الضربة، مما ساهم في الحد من آثارها.
كما أشار إلى أن الضربة استهدفت منع إيران من التخصيب النووي، ومنعها من التحول إلى دولة محورية، فضلًا عن محاولة زعزعة النظام السياسي من خلال قتل العلماء والقادة وتهيئة الداخل للثورة، إلا أن المعارضة الإيرانية – التي تتمثل أساسًا في التيار الإصلاحي – اعتبرت الضربة تهديدًا خارجيًا، فتوحدت مع الدولة في مواجهته، رغم تشتت أطياف المعارضة بين الداخل والخارج .
وأشار إلى أن النظام الإيراني أعاد ملء الفراغ القيادي خلال 12 ساعة فقط، حيث تم تعيين بدلاء عن القادة والعلماء الذين قتلوا، مؤكدًا أن إيران تمتلك 1300 عالم بمستوى من قُتلوا.
وبين عبد الحي أن مؤشر التعليم هو الأهم في منظومة المؤشرات الـ112. وأوضح أن عدد المنشورات العلمية الإيرانية يفوق نظيرتها المصرية بـ34 ضعفًا، وأن إيران تحتل المرتبة 23 عالميًا في النشر العلمي، والأولى في تسارع الإنتاج المعرفي البحثي.
وعلى الصعيد العسكري، بيّن عبد الحي أن الإنفاق العسكري الإيراني لعام 2024 بلغ 7.9 مليار دولار مقارنة بـ46.5 مليارًا لإسرائيل، مما يتطلب من إيران إدارة المواجهة بطرق غير تقليدية.
وعن المؤشر الاقتصادي ذكر عبد الحي أن الدراسات بينت أنه مستقر نسبيا بمعدل نمو 2.8%، رغم وجود تحديات كبرى أبرزها الإدمان، الفساد والتفاوت بين الخطاب الديني الرسمي والمجتمع وسوء العلاقات مع الجوار العربي.
وفي إجابته على أسئلة الحضور حول المصلحة العربية في العلاقة مع إيران أو إسرائيل، قال عبد الحي إن نظرة العرب لإيران تفتقر للموضوعية، مشيرًا إلى أن العامل الديني لا يحدد سياسات إيران الخارجية، مستشهدًا بسوء علاقتها مع أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية، وبالمقابل قوة العلاقات بين إسرائيل من جانب والهند وأذربيجان من جانب آخر رغم وجود ملايين الشيعة في كلتيهما.
وأشار إلى أن تراجع دور "محور المقاومة" أضعف إيران في المنطقة، وقد يدفعها للتوجه نحو آسيا الوسطى والقفقاس، متوقعًا أن يكون الدعم الأساسي لها في المرحلة المقبلة سياسيًا واقتصاديًا من الصين، واستمرار التعاون العسكري مع كوريا الشمالية، خاصة تجارب كوريا الشمالية الصاروخية التي تخدم البرنامج الصاروخي الإيراني
وبين عبد الحي أن عضوية إيران في منظمة شنغهاي ستخدمها دوليا، خاصة بعد أن أخذت المنظمة بعدا أمنيا ودفاعيا بالاضافة للاقتصادي. والتنافس بين مشروع "الحزام والطريق" الصيني والممر الاقتصادي الهندي الجديد.
وختم عبد الحي قراءته بالتأكيد على أن سقوط النظام الإيراني أمر مستبعد خلال العقد القادم، لكنه استبعد في الوقت ذاته أن تتحول إيران إلى دولة محورية إقليميًا في المدى المنظور، لأسباب تتعلق بتركيبتها الاجتماعية والاقتصادية وبيئتها الإقليمية.
وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة فكرية أطلقها المنتدى مطلع العام الجاري تحت عنوان "حرب الوعي والرواية"، والتي تهدف إلى مواجهة الروايات التي تستهدف الهوية الوطنية، وتعزيز الوعي الجماعي من خلال قراءات نقدية للتاريخ والتحولات السياسية في الأردن والإقليم.
وكان المنتدى قد استضاف ضمن هذه السلسلة عددًا من الشخصيات السياسية والفكرية العربية البارزة، من بينهم عمرو موسى، الدكتور مروان المعشر، عبد الرؤوف الروابدة، سمير الرفاعي، وعمر الرزاز، الذين قدموا رؤى معمّقة حول الهوية والسردية الوطنية والتحولات الإقليمية.
يُذكر أن منتدى محمد الحموري للتنمية الثقافية هو مؤسسة فكرية مستقلة تسعى إلى فتح فضاء حر للحوار حول القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية، وتشجيع التفكير النقدي وتبادل الرؤى بين المفكرين والمهتمين بالشأن العام.