مهرجان جرش .. ترجمة حقيقية لثوابت الدولة الثقافية

خاص - في قلب جرش حيث ينبض التاريخ في كل حجر وزاوية، ينبعث مهرجان يحمل بين طياته روح المدينة الأصيلة ، ليست مجرد فعاليات أو احتفالات موسمية، بل تجربة تعكس عراقة المكان وحضوره المستمر عبر الزمن بين شوارع تتنفس أصالة الماضي ومدرجات تستقبل ألوان الفن الحديث، يكتب المهرجان فصوله الجديدة، مستلهماً من تراث الأجداد ليُرسم حكاية الحاضر وأمل المستقبل.
ما يميز جرش ليس فقط ثراء برنامجه الحافل، بل الروح التي تسكنه وتنبض في أزقته وشوارعه التاريخية. المكان بحد ذاته يروي حكاية آلاف السنين شوارع من حجارة رومانية صامدة، وأعمدة شامخة لا تزال تروي قصة حضارات تعاقبت على هذه الأرض، ومدرجات أثرية تُفتح اليوم لاستقبال الفن الأردني والعربي، لتشهد على أن الماضي لا يزال حاضراً في تفاصيل الحاضر. من هذه الأرض العتيقة، تنطلق فعاليات المهرجان وكأنها امتداد طبيعي لتاريخ المدينة، حيث يتحول كل لحن وكل بيت شعر، وكل مشهد مسرحي إلى حلقة جديدة في سلسلة عمرها آلاف السنين.
مهرجان جرش لهذا العام لا يُعرض كمجرد احتفال صيفي، بل كمشروع وطني شامل، ومبادرة جامعة تعبّر عن هوية الأردن، تجمع بين الثقافة والتنمية، وتؤكد أن جرش لم تعد رمزًا للماضي فحسب، بل أصبحت عنوانًا نابضًا بالحياة، ومستقبلاً يُبنى على إيقاعات الفن وكلمات الشعر وأصالة التراث.
تستعد المدينة خلال الأيام المقبلة لاستقبال دورة جديدة من مهرجانها الثقافي العريق، في مشهد يعيد تأكيد مكانة جرش في الذاكرة الوطنية.
أكثر من 110 فعالية فنية وثقافية ستقام على مدار عشرة أيام متتالية، في المسارح التاريخية داخل المدينة وفي ثماني محافظات أخرى، ضمن برنامج متنوع يلبي اختلاف الأذواق ويقدم تجربة شاملة لكافة الفئات.
فعاليات هذا العام تعكس هوية أردنية أصيلة، تشمل عروضًا موسيقية ومسرحية وشعرية وتراثية، إلى جانب مشاركة بارزة للحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة، في خطوة حقيقية نحو دمج الثقافة بالتنمية المجتمعية. ومن المتوقع أن يسهم الحدث في تشغيل أكثر من 1350 شخصًا من أبناء جرش في مجالات تنظيمية وفنية ولوجستية، مما يعزز الأثر الاقتصادي في المنطقة.
ولأن الفن لا ينفصل عن المجتمع، تشارك 380 سيدة من نساء المدينة في مشروع "التمكين للسيدات” الذي يدعم تمكين المرأة ويوفر لها فرصًا اقتصادية من خلال عرض منتجاتها، فيما يعرض 250 حرفيًا محليًا أعمالهم التي تمثل جزءًا مهمًا من التراث الأردني الحي.
وعلى صعيد المحتوى الثقافي، يواصل المهرجان دعم الكلمة الحرة، بمشاركة 90 شاعرًا أردنيًا في أمسيات شعرية متنوعة، إلى جانب 30 شاعرًا عربيًا ضيفًا، في رسالة واضحة تؤكد أن جرش ما زالت منصة مفتوحة للشعر والأدب، وحاضنة حقيقية للإبداع المحلي والعربي.
في ظل استقرار أمني واجتماعي، يأتي المهرجان هذا العام ليعبر عن ثقة الأردن بنفسه، وقدرة مؤسساته على تنظيم حدث ثقافي جماهيري بهذا الحجم، وسط أجواء آمنة وانسيابية، تؤكد أن الفن جزء لا يتجزأ من الأمن الثقافي والاجتماعي.
جرش، كما عرفناها دومًا، ليست مجرد مدينة حجر، بل ذاكرة تحكي قصصها كل عام بلغة مختلفة. هي مدينة تحلم وتُعبّر، وحين يبدأ المهرجان، يُفتح باب جديد للتعبير، ليس فقط من على المسارح، بل من خلال كل من شارك، وساهم، وشاهد، وتفاعل .