المعشّر: نتنياهو يطيل حرب غزة لأجندات سياسية… وتهجير الفلسطينيين خط أحمر أردني ومصري

عنوان مناسب
قال نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي ونائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، الدكتور مروان المعشّر، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب على غزة بهدف الحفاظ على حكومته، وليس لتحقيق أهداف عسكرية حاسمة.
وفي حوار إذاعي على راديو البلد مع الزميل محمد العرسان ، أشار المعشّر إلى أن فكرة إعادة احتلال غزة تواجه معارضة من الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، نظرًا لكلفتها العسكرية والبشرية العالية، مرجّحًا أن نتنياهو بات يميل لطرح بدائل مثل تسليم غزة لقوة عربية.
وحذّر المعشّر من مساعٍ لتهجير مئات الآلاف من سكان القطاع، مؤكدًا أن الموقفين الأردني والمصري رافضان بشدة، وأن الغزيين متمسكون بالبقاء في أرضهم. كما دعا المجتمع الدولي إلى مواقف عملية بعد الاعتراف بدولة فلسطين، من خلال الضغط على إسرائيل وتفعيل قرارات محكمة العدل الدولية.
واعتبر المعشّر أن اقامة الدولة الفلسطينية قد يبدو بعيدًا على المدى القريب، لكنه حتمي على المدى الطويل بسبب الحقائق الديموغرافية التي تجعل استمرار الاحتلال غير ممكن.
إعادة احتلال غزة: بين الواقعية والطموح السياسي
استهل الحوار بالحديث عن احتمال إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وهو موضوع يثير جدلاً واسعاً. أشار المعشر إلى أن إعادة الاحتلال ليست مؤكدة لعدة أسباب، منها المعارضة الداخلية من الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيلي، الذي يعاني من حالة استنزاف نتيجة الصراع المستمر. وأوضح أن الجيش الإسرائيلي ليس في حالة جيدة، حيث يعتمد بشكل كبير على استدعاء قوات الاحتياط، التي تشهد تراجعاً في الحضور. كما أن إعادة احتلال غزة ستعرض الجيش لخسائر يومية، مما يجعل العملية غير مجدية عسكرياً.
وأضاف المعشر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تراجع عن تصريحاته الأولية بإعادة احتلال غزة، مفضلاً الآن فكرة "السيطرة" عليها بدلاً من الاحتلال الكامل، مع اقتراح تسليم القطاع لقوة عربية لاحقاً. ويرى المعشر أن هذا التراجع يعكس التحديات العسكرية والسياسية التي تواجهها إسرائيل.
أهداف نتنياهو: إطالة الحرب لأغراض سياسية
في سياق مناقشة دوافع نتنياهو، أكد المعشر أن الحرب على غزة، التي استمرت لأكثر من عامين، استنفدت أهدافها العسكرية، وهو ما يتفق عليه المجتمع الإسرائيلي وحتى الولايات المتحدة. ومع ذلك، يرى أن نتنياهو يسعى لتحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو إطالة عمر حكومته، حيث إن توقف الحرب قد يؤدي إلى انسحاب شركاء الائتلاف اليمينيين مثل سموتريتش وبن غفير، مما يهدد بسقوط الحكومة. والثاني هو تعزيز المشروع الصهيوني من خلال تدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية في غزة وقتل أو تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين.
وأشار المعشر إلى أن نتنياهو لا يبالي بمصير الرهائن الإسرائيليين، حيث أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى مقتلهم، مما سيضعه في مأزق سياسي أكبر. وأضاف أن المجتمع الإسرائيلي اليوم يميل بشكل متزايد نحو التطرف اليميني، مع عدم مبالاة واضحة بمعاناة الفلسطينيين، بما في ذلك المجاعة التي باتت لا يمكن إخفاؤها.
التهجير وموقف مصر والأردن
تطرق الحوار إلى فكرة التهجير التي تسعى إسرائيل لتنفيذها، حيث تتحدث وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطط لترحيل حوالي 900,000 فلسطيني من مدينة غزة إلى جنوب القطاع، وهو ما يعتبره المعشر شكلاً من أشكال التهجير. وأكد أن مصر والأردن أعلنتا بوضوح رفضهما القاطع لأي عملية تهجير، معتبرتين أنها تعادل إعلان حرب. وأوضح أن موقف مصر صلب، حيث أغلقت حدودها أمام دخول الفلسطينيين، وهو موقف يدعم القضية الفلسطينية بمنع تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها.
كما أشار إلى أن الفلسطينيين أنفسهم يتمسكون بالبقاء في أراضيهم رغم الإبادة والمجاعة، مما يجعل فرص التهجير ضعيفة للغاية. وأضاف أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن تشكل تهديداً للأمن القومي الأردني، وستكون بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، وهو أمر مرفوض تماماً.
العزلة الدولية لإسرائيل
فيما يتعلق بالموقف الدولي، أشار المعشر إلى أن إسرائيل تواجه عزلة غير مسبوقة، حيث بدأت دول مثل ألمانيا وإيطاليا، التي كانت تدعمها بشكل تقليدي، تعارض سياساتها. وأوضح أن توقف ألمانيا عن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل يعد تطوراً مهماً. كما أن الاعتراف بدولة فلسطين من قبل أكثر من 14 دولة أوروبية يعكس تحولاً في الموقف الدولي، لكنه حذر من أن هذا الاعتراف يجب أن يتبعه خطوات قانونية وسياسية ملموسة للضغط على إسرائيل، مثل رفض البضائع من المستوطنات أو الالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية.
ضم الضفة الغربية والتحديات الديموغرافية
حول ضم الضفة الغربية، أوضح المعشر أن إسرائيل تسعى لضم الأراضي دون السكان، لتجنب تغيير ال توازن الديموغرافي الذي قد يهدد طابعها اليهودي. وأشار إلى أن عدد الفلسطينيين في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل (7.5 مليون) يفوق عدد اليهود الإسرائيليين (7.2 مليون)، مما يجعل استدامة نظام عنصري يحكم أغلبية فلسطينية أمراً مستحيلاً على المدى الطويل. وأضاف أن إسرائيل تحاول تجميع الفلسطينيين في مدن الضفة مثل رام الله ونابلس، تمهيداً لضم أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، مع احتمال تهجير الباقين إلى الأردن، وهو سيناريو مرفوض أردنياً وفلسطينياً.
الوصاية الأردنية على المقدسات
تناول الحوار أيضاً انتهاكات إسرائيل المتكررة للوضع القائم في القدس، حيث أكد المعشر أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تخالف معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية عملياً، على عكس حكومة رابين التي احترمت الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية. وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تشكل تحدياً كبيراً للأردن، الذي يواصل التمسك بدوره التاريخي في حماية المقدسات.
الوضع الإقليمي: سوريا ولبنان
في سياق إقليمي أوسع، ناقش المعشر الوضع في سوريا، حيث أعرب عن قلقه من توغل إسرائيل في الجنوب السوري ومحاولاتها استغلال الانقسامات الداخلية لتفتيت البلاد. وأكد أن الأردن يدعم وحدة سوريا ويعارض أي حرب أهلية قد تهدد أمنه القومي. واقترح تبني نظام تشاركي في سوريا يضمن تمثيل جميع المكونات، مع الإشارة إلى أن هيئة تحرير الشام لا تسيطر إلا على جزء محدود من الأراضي السورية.
أما في لبنان، فتطرق إلى مسألة نزع سلاح حزب الله، مشيراً إلى أن حصر السلاح بيد الدولة أصبح مطلباً وطنياً ودولياً. وأوضح أن حزب الله يواجه ضغوطاً متزايدة للقبول بهذا المبدأ، خاصة مع تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة نتيجة تقلص قنوات الإمداد العسكري والمالي.
دور الولايات المتحدة وترامب
حول الدور الأمريكي، أشار المعشر إلى أن إدارة ترامب لا تملك أفقاً سياسياً لإنهاء الاحتلال، وتركز فقط على إيقاف الحرب في غزة لتحقيق مكاسب اقتصادية. وانتقد فشل الولايات المتحدة في التعاطي مع المبادرات العربية لإعادة إعمار غزة أو دعم إقامة دولة فلسطينية، معتبراً أن ترامب ليس "رجل سلام" بمعنى الكلمة، بل يسعى فقط لاتفاقيات مؤقتة تخدم أهدافه الاقتصادية.
حماس والمشروع الفلسطيني
في ختام الحوار، تناول المعشر الانتقادات الموجهة لحماس، خاصة بعد عملية 7 أكتوبر. وأكد أن العمليات العسكرية يجب أن تخدم هدفاً سياسياً واضحاً، وهو إنهاء الاحتلال. ودعا إلى مشروع فلسطيني موحد يقوم على انتخابات تمثل الشعب الفلسطيني، معتبراً أن السلطة الفلسطينية الحالية لم تعد قادرة على ادعاء التمثيل الشرعي. وشدد على ضرورة وحدة فلسطينية تواجه العدو المشترك، مع الإشارة إلى أن الخلافات بين حماس والسلطة تضعف الموقف الفلسطيني.
اختتم الحوار بدعوة المعشر إلى تعزيز الصمود الفلسطيني عبر المساعدات وتثبيت الفلسطينيين على أرضهم، مع التأكيد على أهمية الموقف الأردني والمصري الرافض للتهجير. وأعرب عن تفاؤل حذر بالمدى البعيد، مشيراً إلى أن الواقع الديموغرافي سيفرض نفسه في النهاية، مما سيجعل استمرار الاحتلال مستحيلاً.