تضامن "يويفا" مع غزة نفاق تام ولا عقاب للمجرم

متابعات: اعتبر الصحافي البريطاني كارل هانسن، تضامن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) مع قطاع غزة الذي يتعرض لإبادة جماعية، دون فرضه عقوبات على إسرائيل أو أنديتها، لا يعدو عن كونه "نفاقا تاما وذرا للرماد في العيون".
هانسن، الذي اشتهر بمقالاته الرياضية والسياسية بمجلة "تريبون" البريطانية، قال إن إسرائيل، رغم ارتكابها للإبادة الجماعية في غزة، لم تتعرض حتى اليوم لأي عقوبة من قبل الهيئات الرياضية الدولية.
وأضاف أن "22 شهرا مرّت على المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزة، حيث جرى قلب الحقائق رأسًا على عقب من منظور القانون الدولي والإنساني، بينما فشلت الدول الغربية في كبح جماح إسرائيل أو الدفاع عن حقوق المدنيين بفلسطين".
نفاق رياضي
وأشار هانسن في حوار خاص مع الأناضول، إلى أن عجز المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي "أمر معروف، لكن الأخطر أن إسرائيل لم تُعاقَب حتى في المجال الرياضي".
ولفت إلى أن "يويفا" والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لم يتخذا أي قرار بطرد إسرائيل من المسابقات الرياضية بحجة "عدم زيادة التوتر"، بينما تم استبعاد روسيا بعد 10 أيام فقط من اندلاع حربها مع أوكرانيا.
وأكد أن ذلك الأمر "يعكس توجهًا متعمّدًا بعدم معاقبة إسرائيل، وازدواجية تظهر بشكل أكثر وضوحًا إذا ما قورنت بحالات عديدة جرى فيها معاقبة أندية لمجرد إبدائها دعمًا لفلسطين".
وقال الصحافي البريطاني: "نشاهد في غزة يوميا صورا لأشخاص يموتون جوعا أو تحت القصف. ورغم جرائم إسرائيل، لم يُفرض أي عقاب لا على منتخبها الوطني ولا على أنديتها. هذا نفاق تام".
وأضاف: "من الواضح أن الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم ليست لديهما أي نية لمعاقبة إسرائيل على جرائمها في غزة، ومن الجلي أيضا أنه يجري معاملة إسرائيل بطريقة مغايرة عن غيرها من الدول".
وأوضح أن "الأدلة على جرائم إسرائيل ضد الإنسانية أوضح من أن تُنكر. لكن بدلًا من فرض عقوبات عليها، تُبذل جهود كبيرة لمعاقبة كل من ينتقدها أو يُبدي تضامنًا مع الفلسطينيين".
معاقبة المتضامنين
الصحافي البريطاني أوضح أن المؤسسات الكروية الدولية "تفرض تضييقًا تجاه كل من يحاول التضامن مع فلسطين، سواء من خلال الهتافات أو رفع اللافتات أو الأعلام الفلسطينية".
وقال: "التضييق يطال من يسعون لإبداء التضامن مع فلسطين. ففي يونيو/ حزيران الماضي، فرضت غرامة مالية على نادي باريس سان جيرمان بسبب رفع جماهيره لافتة تضامن مع غزة وضحايا الإبادة".
وزاد: "أحد أسباب عدم رؤيتنا مزيدا من مظاهر الدعم والتضامن من اللاعبين مع غزة، هو معرفتهم بأن السلطات الكروية ستعاقبهم إذا فعلوا ذلك".
وأشار إلى مثال لمعاقبة لاعبين على تضامنهم مع غزة، عندما فتح لاعب سريلانكي، عقب فوز منتخبه، قميصا كتب عليه "صلوا من أجل حرية فلسطين".
وقال هانسن: "كان ذلك في رأيي رسالة إنسانية بريئة، لكن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم غرّمه بمبلغ ألفي دولار. أعتقد أن معاقبة من يُظهرون التضامن مع الضحايا بدلًا من معاقبة الدولة التي ترتكب المجازر، أمر عبثي تمامًا".
وأشار إلى أن المؤسسات الرياضية، وعلى رأسها "يويفا" و"فيفا"، "تتصرف وكأنها تُكافئ إسرائيل، فبدلًا من محاسبة تل أبيب، تعاقب الجماهير واللاعبين المتضامنين مع فلسطين".
وأضاف: "أكثر ما يُثير الرعب في سلوك هذه المؤسسات هو أن الأشهر الماضية شهدت مقتل عدد كبير من لاعبي كرة القدم الفلسطينيين ومدربيهم ومديريهم على يد إسرائيل".
وتابع هانسن: "هذه الأرواح تُزهق يوميًا، والكثير من اللاعبين الشباب سيُجبرون على بتر أرجلهم ولن يتمكنوا من ممارسة كرة القدم مرة أخرى، ومع ذلك تلتزم هذه المؤسسات صمتًا شبه تام".
وبحسب الموقع الرسمي للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، فقد قتل 321 رياضيا تابعين للاتحاد، على مدار نحو عامين من الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ضمنهم لاعبون ومدربون وإداريون وحكام وأعضاء مجالس إدارات الأندية، إلى جانب رياضيين في ألعاب أخرى.
لا إدانة
ولفت هانسن إلى أن الضغوط والانتقادات الأخيرة دفعت بعض المؤسسات الرياضية الدولية إلى إظهار "تغييرات طفيفة في مواقفها، لكن دون أن تصل إلى حد الإدانة الواضحة لإسرائيل".
وأشار في هذا السياق إلى حادثتي مقتل اللاعب الفلسطيني سليمان العُبيد، الملقب بـ"بيليه الفلسطيني"، على يد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومشاركة رئيس "يويفا" ألكسندر تشيفرين، أطفالًا فلسطينيين في النزول إلى أرض الملعب خلال مباراة كأس السوبر الأوروبي بين باريس سان جيرمان وتوتنهام.
وانتقد هانسن بشدة رد فعل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على مقتل العُبيد، قائلًا: "هذه واقعة تُجسد بوضوح اللامبالاة الأخلاقية المقززة للمؤسسات الكروية".
وأضاف: "عندما قُتل العُبيد، اكتفى الاتحاد بنشر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي قال فيها فقط وداعًا دون أن يذكر كيف قُتل، ولا من قتله، ولا لماذا قُتل؟!".
وكان "يويفا" قال في منشوره: "وداعا سليمان العبيد بيليه الفلسطيني. موهبة منحت الأمل لعدد لا يحصى من الأطفال حتى في أحلك الأوقات".
وقتل الجيش الإسرائيلي العبيد (41 عاما)، في 6 أغسطس/ آب الجاري، إثر استهدافه منتظري مساعدات جنوب قطاع غزة.
ويُعد العبيد أحد أبرز نجوم كرة القدم الفلسطينية، ويتمتع بمهارات مميزة، وشارك مع المنتخب الوطني في 24 مباراة دولية.
كما تنقل بين أندية بارزة في قطاع غزة والضفة الغربية، وحصد ألقابا عدة، من بينها لقب هداف الدوري الممتاز في موسمين، وسجل أكثر من 100 هدف خلال مشواره.
خطوات تجميلية
كما رأى الصحافي البريطاني أن تصريحات ورسائل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "ليست سوى خطوات شكلية هدفها التجميل الإعلامي".
وأشار إلى أن نعي "يويفا" للعبيد جاء بعد ردود أفعال واسعة أعقبت رسالة اللاعب المصري محمد صلاح على منصة شركة "إكس" الأمريكية التي قال فيها تعليقا على الاتحاد: "هل يمكنكم أن تخبرونا كيف مات العبيد؟ وأين؟ ولماذا؟".
وأكد هانس أن "الهيئات الرياضية الدولية لو كانت جادة حقًا، لكانت عملت منذ زمن من أجل فلسطين، ولتم إقصاء إسرائيل من البطولات ومعاقبتها".
وقال: "لو كانوا يهتمون فعلًا بالشعب الفلسطيني لكان أولويتهم الاعتراف الرمزي بفلسطين كدولة".
الجماهير تنتصر لغزة
وأشار الصحافي البريطاني إلى أن النشاط المؤيد لفلسطين لم يعد مقتصرًا على المؤسسات، بل تبنته شريحة واسعة من الأفراد والجماهير حول العالم.
وضرب مثالًا على ذلك بقرار نادي فورتونا دوسلدورف الألماني، إلغاء صفقة انتقال اللاعب الإسرائيلي شون فايسمان، حيث أجبرته جماهيره على التراجع عن الصفقة بعد الاطلاع على تصريحات دعا فيها فايسمان إلى "محو غزة من الخريطة"، زاعمًا أنه "لا يوجد مدنيون أبرياء هناك".
وقال هانسن: "جماهير دوسلدورف شعرت بالاشمئزاز من تلك التصريحات، وأجبرت النادي على إلغاء الصفقة. أعتقد أن هذا مثال واضح على ما نراه اليوم في المجتمعات الغربية".
وتابع: "القوى الكبرى والمؤسسات الرسمية تقدم دعمًا واسعًا لإسرائيل وتتجاهل معاناة الفلسطينيين، بينما الناس العاديون يشعرون بالصدمة مما يحدث، ويرفضون أن يكون لهم أي صلة به".
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلّفت الإبادة الإسرائيلية 62 ألفا و4 شهداء، و156 ألفا و230 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 263 شخصا، بينهم 112 طفل.