بين غبار الانتظار وأزيزِ المضخة: عمّان على رزنامة العطش

فراس الحديدي - يبدأ الصوت همسا. نقرة من صنبور المطبخ في شقة ابي محمد في جبل الحسين، كأن فلزة معدن تلامس فلزة اخرى فتوقظ امل يوم كامل.
يزيح كأسا فارغا قرب الحوض ويتمتم: اليوم دورنا. في غضون 24 الى 48 ساعة سيعلو خرير في الانابيب، تمتلئ خزانات السطح، وتستعيد البيوت ايقاعا حفظته من صيف الى صيف. هذه حكاية مدينة تدير نهاراتها على رزنامة ماء: ندرة هيكلية تجعل نصيب الفرد اقل من 100 متر مكعب في السنة، فاقد يلتهم قرابة نصف ما ينتج وطنيا، واعتماد حساس على شريان واحد اسمه الديسي. يوم الدور: رزنامة مدينة على حنفية واحدة صباح الدور في بيت ابي محمد يشبه استراحة قصيرة على طريق طويل. ام محمد تفرد الاغطية في الشرفة، تضبط الموقت على المضخة فوق السطح، والاولاد يتسابقون على ملء القناني. هذه التفاصيل الصغيرة تترجم عناوين تقنية اعلنتها شركة مياه الاردن مياهنا. على الورق تبدو جملة مطمئنة. في البيوت تتحول الجملة الى طريقة عيش. اين يضيع الماء بين ما ينتج وما يصل الى العدادات مساحة اسمها الفاقد: تسربات تحت شوارع قديمة، اعتداءات في الاطراف، واخطاء قياس. الهدف الوطني خفض الفاقد الى اقل من 25 بالمئة بحلول 2040. الديسي: شريان واحد وهشاشة صيفية الديسي يمد العاصمة بنحو 100 مليون متر مكعب سنويا. حين تعلن الجهة المشغلة عن صيانة، تهتز ايام الدور مثل خيط في مهب ريح. ترتفع الاتصالات على الخطوط الساخنة، ويتقدم مشهد الصهريج الى واجهة الحي: شاحنة بيضاء، خرطوم ثقيل يئن على الدرج، وعداد لترات يدور كساعة حائط مستعجلة. اقتصاد الصهاريج: ماء يصل وصوت كلفة لا يهدأ عندما تهبط الضغوط او تقصر ساعات الضخ، يتمدد سوق الصهاريج. في احياء يضاعف التزاحم على يوم الدور الطلب، وفي اخرى يسبقه خوف من عطل بعيد. الناقل الوطني: وعد الثلاثمئة مليون المشروع الذي يعلق الناس عليه املا واضحا هو تحلية ونقل نحو 300 مليون متر مكعب سنويا من العقبة الى عمّان عبر خط يقارب 450 كيلومترا مع محطات ضخ وطاقة داعمة. من يدفع الفاتورة التعرفة حتى 2029 تعتمد فوترة شهرية، وتحمي الشريحة الدنيا حتى 6 امتار مكعبة شهريا في المراحل الاولى، مع زيادات تصاعدية محدودة للفئات الاعلى. لكن الكلفة الاعلى تبقى غالبا في السوق الموازية عند الذروة. تصريحات مياهنا – 24 آب 2025 - ابراهيم قبيلات، الناطق الاعلامي: الادوار تسير كالمعتاد وحسب المعلن عنها. ماذا يعني هذا للقارئ الان - اصلح التسربات المنزلية فورا: ابسط طريقة لخفض الفاتورة وتقليل الضغط على الشبكة في حيك. خطة 90 يوما للمتابعة والمحاسبة بالارقام - فاقد العاصمة: الانطلاق من 42 بالمئة باتجاه 40 بالمئة في المناطق المستهدفة، مع نشر رقم ربعي واضح. شفافية التحقيق تواصلنا هاتفيا في اليوم نفسه بتاريخ 24 آب 2025 مع كل من: في اخر الاسبوع، حين تخفت الضغوط وتبدأ الاواني في المطبخ بالطنين الخفيف، تمسح ام محمد الغبار عن ورقة النبتة فتتشبث بلونها قليلا. يمد ابو محمد يده الى الصنبور مرة اخرى.
بعد ذلك يدخل الاسبوع في خانة الانتظار. الغبار على الرفوف يصير تقويما صامتا للايام الجافة، والنباتات المنزلية تميل برأسها مثل من يطول وقوفه في طابور لا يتحرك.
في المقابل، وعد بنيوي اسمه الناقل الوطني من العقبة الى عمّان بقدرة تقارب 300 مليون متر مكعب سنويا، وبرامج اقرب مدى لخفض الفاقد داخل العاصمة حتى قبل ان نضيف قطرة جديدة.
يسري نفس خفيف في المواسير، كأن كل بناية تطلب حصتها من الضغط. عند الظهر يلمع خط ابيض على جدار الخزان حتى الحافة، وفي المساء تعود عادات مؤجلة: غسلة ثقيلة، دوش سريع، ماء للشاي بطعم اقل معدنية.
اليوم، تقول مياهنا ان نسبة الفاقد في محافظة العاصمة بلغت نحو 42 بالمئة عام 2024، مع التزام بتخفيض 2 بالمئة سنويا. بلغة البيت لا التقارير: قسط من الماء الذي ينتظره ابو محمد يتبخر في الطريق، واصلاح ما لا يرى قد يساوي قدوم مصدر جديد.
عند الذروة، تشغل الشركة تحويلات مؤقتة وتسير الصهاريج كخط دفاع اول، لكن العيش على مسار رئيسي واحد يظل نقطة ضعف يعرفها السكان قبل ان يكون رقما في بيان.
التنظيم الصارم لمصدر التعبئة والترخيص والرقابة الصحية ونشر الاسعار المعلنة يصنع فارقا في ميزانية الاسرة. بالنسبة لابي محمد، الفاتورة الاثقل ليست التعرفة المنزلية، بل فاتورة الصهريج التي تقتطع من مصاريف المدرسة والخبز والدواء. كل دلو يصعد السلم يحمل ماء وثمنا.
حل متوسط المدى، لا يبدل وجه صيف واحد لكنه قادر على اعادة رسم الخريطة المائية للعاصمة اذا اكتمل. في بيت ابي محمد لا تظهر هذه الارقام كعناوين مشاريع فقط؛ تظهر كفكرة بسيطة يتمناها الجميع: ان يكون للماء اكثر من باب، لا باب واحد.
كل دقيقة اضافية من الضخ النظامي توفر دينارا اضافيا من الصهريج، وكل تسريب منزلي مكشوف يزيد جهدا مضاعفا على الشبكة.
- متوسط التزويد: 24 الى 48 ساعة اسبوعيا بحسب المنطقة والارتفاع والكثافة.
- لا مناطق متضررة، مع تشغيل اسطول الصهاريج عند الحاجة رغم انقطاعات الكهرباء وبعض المصادر.
- الشكاوى ضمن المعدلات السنوية المعتادة لهذا الوقت من العام.
- فاقد العاصمة 2024: نحو 42 بالمئة، والتزام بتخفيض 2 بالمئة سنويا.
- خرائط الادوار متاحة على الموقع الالكتروني للشركة.
- مشاريع تحسين قريبة خلال 120 يوما في: المنارة، جبل المريخ، المقابلين، البيادر، مرج الحمام.
- عند شراء ماء الصهريج، تحقق من الترخيص ومصدر التعبئة والسعر المعلن.
- تابع تحديثات وزارة المياه ومياهنا بشأن صيانة الديسي وجدول الادوار في منطقتك.
- الادوار: الحفاظ على نطاق 24 الى 48 ساعة اسبوعيا للاحياء كافة، مع اعلان اي تعديل مسبقا.
- الشكاوى: ابقاء الشكاوى ضمن المعدلات السنوية ونشر نسبة المعالجة خلال 24 ساعة اسبوعيا.
- الصهاريج: نشر قائمة نقاط التعبئة المرخصة ولائحة اسعار مرجعية لسعة 10 م3، واعلان المخالفات المضبوطة شهريا.
- المشاريع الميدانية: تقدم ملموس في المنارة وجبل المريخ والمقابلين والبيادر ومرج الحمام خلال 120 يوما، مع نشر بيانات انجاز شهرية مختصرة.
- ابراهيم قبيلات، الناطق الاعلامي لشركة مياهنا، الذي ادلى بالتصريحات الواردة اعلاه.
- عمر سلامة، الناطق الاعلامي لوزارة المياه، وبعثنا له اسئلة عبر واتساب في اليوم نفسه، ولم نتلق ردا حتى وقت النشر. سنضيف اي رد يصل لاحقا.
كما رجعنا الى وثائق رسمية متاحة للعموم مثل الاستراتيجية الوطنية للمياه 2023–2040 ونشرات التعرفة حتى 2029.
تعود النقرة الضعيفة، خيط ماء اخف من الرجاء، لكنه يذكر البيت بان الدورة تمشي على ساعة غير مرئية. يبقى السؤال معلقا على فوهة الحنفية: هل يكسر الناقل الوطني وبرامج خفض الفاقد هذا القوس المستمر، ام يواصل الغبار كتابة يوميات المدينة على الرفوف والاوراق والقلوب.
هنا تنتهي القصة حيث بدأت، عند صوت يلوح بالامل ثم يسكت، على وعد ان ادارة محكمة اليوم، ومشاريع بنيوية غدا، ومساءلة لا تكل، قادرة على ان تجعل هذا الصوت يعود اثقل من الرجاء واقرب الى الارتواء.