تجارب الإسلاميين السياسية بين قراءتين

{title}
صوت الحق -

وقد خصص الأستاذ الزعاترة مجال البحث أيديولوجيا بالحركات الإسلامية، في حين حصر الدكتور الكفائي بحثه جغرافيا بالدولة العراقية، وبالرغم من تباين الخلفيات الفكرية بين الكاتبين إلا أن هناك الكثير من القضايا المشتركة التي عالجها كل منهما بحكم التقاطعات العديدة في البحثين في الزمان والموضوع والمكان. من المهم ومن المتوقع إمعان البحث في الأحداث الكبيرة المتتابعة التي عصفت بالمنطقة مؤخرا، والتي قلبت الواقع العربي وأخرجت كوامنه، وامتحنت جماعاته ونخبه، وأظهرت مخبوءاته وتحدت الأفكار والبرامج على ساحته، وهزت الكثير من القناعات والأفكار السائدة والمتنحية فيه، وبالتالي فإن تقديم الدراسات، وعرض التجارب، وتقديم رؤى نقدية يشكل مقدمات ضرورية لإنتاج وتطوير استجابات فكرية لتلك التحديات والإخفاقات العديدة أو الفشل “بحسب ما خلص اليه الكاتبان”.


إن كلا من الزعاترة والكفائي على تماس مباشر مع المسألة التي عالجاها، فبالرغم من اختلاف منهجية وأسلوب الدراسة بين الكتابين، فقد ناقش كلاهما مسائل في التصور وفي الأسس، وكذلك في التطبيقات والتفاصيل تتعلق بالنظام السياسي والممارسة السياسية للتيارات الإسلامية التي تصدرت المشهد السياسي إلى حد ما، وقدم كل منهما رؤيته من تماس مع محيط الجدل الصاخب حول القيم والأهداف والمعالجات السياسية والدينية في ضوء التجارب والنتائج.


الدكتور الكفائي اعتمد على الكثير من الدراسات والبحوث الأكاديمية والمراجع القديمة والحديثة ليقرر ويحرر مفاهيم الديمقراطية والليبرالية ويؤسس عليها أحكامه، وأضاف اليها مقابلات مع العديد من الشخصيات المهمة ذات الصلة بالموضوع ليعزز ما وصل اليه من أحكام حول الديمقراطية في العراق، وبالتالي خلص إلى فشل المحاولة الديمقراطية في العراق، وعزا هذا الفشل لأسباب ثقافية ودينية بشكل أساسي، بالإضافة إلى التدخلات الأجنبية، والحكم الديكتاتوري السابق، وبنية الاقتصاد العراقي وغير ذلك، ولكنه ألقى باللائمة في المقام الأول على ما اعتبره توظيف الدين في السياسة والقيم القبلية والطائفية.


الزعاترة عرض الكثير من القضايا والأسئلة التي تواجه التيارات والجماعات الإسلامية بطيفها الواسع، وناقش ما اعتبره إخفاقات سياسية مستمرة ذات منشأ متشابه، وفي العديد من المسائل عرض رؤيته أو اختياره من الإجتهادات المعروضة في المسألة، وكان مدخل المقاربة وجوهر النقد يتعلق بالوعي السياسي، وتقدير موازين القوى، وإدراك طبيعة الدولة الحديثة عند الإسلاميين. ورأى المؤلف أن “الصحوة والهوية في خطر” بسبب مخططات خارجية وبتأثير من الانفتاح وتطور وسائل التواصل، وقدم رؤية مختصرة للمواجهة الفكرية والتي أصبحت تتعلق بأصول الدين الكلية، وأصبحت تستدعي نوعا جديدا من الإستجابة من حيث مضمون وأسلوب الخطاب الإسلامي. اعتبر المؤلف أن الوعي السياسي يبدأ بقراءة السيرة النبوية بطريقة جديدة لا تحشرها بالغيبيات، بل تتعامل مع شقها الأهم كنشاط إنساني غاية في الإبداع، وعرض العديد من الشواهد من غزوات الرسول عليه الصلاة والسلام وعلاقاته السياسية، واقترح أيضا أن يستقى هذا الوعي من قراءة التاريخ القريب والبعيد، وتجارب حركات التغيير والدولة الحديثة.


وقرر أن السياسة يجب أن تنطلق من قاعدة “درء المفاسد وجلب المصالح”، ولم يتطرق إلى البحث الأصولي الشائك حول تعريف المصالح والمفاسد المعتبرة والملغاة والمرسلة، لكنه أشار إلى أهمية إدراك المصالح في الحياة وليس الإكتفاء بالمصالح الأخروية.


وبغض النظر عن مساحات الاتفاق والإختلاف فإنني أسجل تقديري للمؤلفين على مبادرتهما في تقديم رؤيتهما وأبحاثهما القيمة والمساهمة في إثراء الحوار حول ما استجد في المسائل الكلية والمهمة، والسعي للاستفادة من الدروس القاسية التي تتلقاها المنطقة، فالأحداث الكبيرة تنتج تحولات فكرية، شهدنا ذلك في منطقتنا منذ الحربين العالميتين، ثم نكبة فلسطين، ونكسة الأمة العربية، كما أن الغرب أيضا مدين بتطور الفلسفة والعلوم لأحداث ووقائع سياسية مفصلية منذ عصر الأنوار إلى انهيار المعسكر الشرقي.