كيف يستقيم الدعم العربي مع المقاطعة؟
لا معنى للموقف العربي من التطورات الأخيرة في سورية، إذا لم يقترن بالأفعال. في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد أول من أمس في القاهرة، دان المجتمعون العدوان التركي على الشمال السوري، وطالبوا بوقفه فورا، وأجمعوا على أولوية الحل السياسي للأزمة.
الوزراء العرب تقدموا خطوة للأمام بالدعوة لاستعادة سورية لدورها في المنظومة العربية، دعما لوحدة ترابها وشعبها، ورفضا لمحاولات التقسيم التي تطل برأسها من جديد مع إصرار تركيا على إقامة منطقة آمنة في العمق السوري.
وأقر الوزراء حزمة من التدابير للتصدي للعدوان التركي، والتحرك على المسرح الدولي لوقف هذا العدوان ووضع القوى الدولية أمام مسؤولياتها.
لكن ماذا عن المسرح السوري، وكيف يمكن للعرب أن يدعموا سورية، وهم يقاطعونها في الجامعة العربية؟
في كلمته خلال الاجتماع، أشار وزير الخارجية أيمن الصفدي، إلى الحاجة لاتخاذ “خطوات عملية وفورية” لتحقيق الحل السياسي في سورية. وزاد قائلا “يجب أن يكون دورنا العربي في ذلك أكبر وعاجلا وفعالا”.
والدور العربي العاجل والفعال، يتطلب انخراطا جديا وسريعا من الجانب العربي في الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية لإنهاء الأزمة السورية وحماية وحدتها، وتأمين عودة اللاجئين لديارهم.
القوى التي تتصرف في الأزمة السورية في الوقت الحالي كلها أجنبية، وتتعامل مع المشهد السوري، كساحة من ساحات صراع النفوذ، وتأمين مصالحها على حساب مصالح سورية وشعبها. العرب مجرد طرف متفرج، إن لم يكن البعض منهم في صف القوى المخربة والمعيقة لأي اتفاق يمهد للاستقرار.
لم يعد مفهوم أبدا مناقشة الملف السوري في الجامعة العربية في غياب التمثيل الرسمي السوري، والحوار المباشر بين العواصم العربية ودمشق.
تقدمت الدول العربية خطوة مهمة إلى الأمام بتخلي بعض دولها عن هدف إسقاط النظام السوري والتدخل في شؤون سورية الداخلية، وها هي تدعم مجتمعة الحل السياسي واللجنة الدستورية التي تشكلت أخيرا. هذه المواقف تشكل أساسا قويا للانخراط الدبلوماسي والسياسي لمساعدة الأشقاء السوريين على وضع حد لمعاناتهم، وترك حرية القرار للشعب السوري ليقرر مصيره وهوية نظامه السياسي في المستقبل.
تناقلت وسائل اعلام قبيل اجتماع القاهرة أنباء عن طلب بعض الدول العربية دعوة سورية لحضور اجتماع وزراء الخارجية، لكن ثمة أطرافا عربية تعطل هذه الجهود لاعتبارات غير مفهومة. ربما يتطلب الأمر القيام بجهود دبلوماسية ووساطات عربية لترطيب الأجواء وتهيئة المناخ لمثل هذه الخطوة، ويمكن لدول مثل مصر والأردن والجزائر والعراق لعب هذا الدور.
استعادة العرب لوحدة الموقف من سورية، سيقوي الموقف العربي في مواجهة تحديات إقليمية أشد خطورة على أمننا القومي وقضيتنا المركزية قضية فلسطين.
لقد أثبتت الوقائع بأن التعامل مع مشكلاتنا مع دول الجوار الإقليمي لا يكون بالقطيعة والتمترس خلف مواقف عدمية فاقمت من أزماتنا، إنما بالحوار وممارسة النفوذ المباشر والانخراط في ترتيبات عربية مشتركة لضمان تحقيق مصالحنا.
الولايات المتحدة الأميركية لم تعد معنية بتأمين مصالح حلفائها، وليس أمامنا من بديل سوى بناء منظومة عربية مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي، وبناء شراكات قوية مع الدول الإقليمية الفاعلة قائمة على احترام متبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
بناء موقف جديد وعملي من الأزمة السورية هو بداية الطريق للتعافي من الوضع العربي البائس.