لما لا يتعض الأشقاء «الكرد»؟!
(1)
أمة الكرد هي الأمة الشقيقة التوأم للأمة العربية، ولا أخال أن في الدنيا وبشهادة التاريخ وبحكم الجغرافيا وبوحدة الثقافة والعقيدة، عرق يتلاقى مع العرق العربي كما هم الكرد..
ونحن طلبة في الجامعة كان لنا اصدقاء أكراد، حيث لا يحمل وجدانهم الوطني أولوية يمكن أن تطاول القضية الفلسطينية من حيث الأهمية. بل والحماس الكبير للإسهام في تحريرها. وأن مكانة صلاح الدين الأيوبي المتميزة بتاريخهم ليس لأنه كردي فحسب بل لأنه بطل تحرير القدس... وقد قيل لنا أبان المناقشات التي أفضت إلى اتفاق آذار/1970 والخاص بمنح الحكم الذاتي لكردستان، بين الحكومة العراقية والملا مصطفى البرزاني، وعند البحث بمستقبل «البشمركة» الذراع العسكري للأكراد، أن اقترح الجانب الكردي، ارسال تلك القوات لمشاركة المقاومة الفلسطينية واجب تحرير فلسطين.
وأن تقصي تاريخ الأكراد يفضى إلى أنه شعب مسكون بالكرامة والأنفة، وهو شعب مقاتل عنيد لا يستسلم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بدفاعه عن حقوقه الوطنية وهي صفات تميز الكرد. كذلك فإن التعامل معهم ينبئك كم هو شعب صادق وطيب.
(2)
لكنني أسجل على الإخوة الكرد ومن باب المحبة والتقدير والاعتراف بمكانتهم أنهم في بعض الأحوال يندفعون نحو الاخر الأجنبي ويعتمدون عليه سعياً لترتيب علاقاتهم مع شقيقهم التوأم «العربي» وآخر تلك الوقائع، وضع الكرد في سوريا وإعتمادهم على قوى خارجية كسبيل للحماية أو نيل الحقوق، مع أن الحقائق على الأرض تشير أن القوى الأجنبية ومنذ بدء الكارثة والحرب المعلنة على سوريا منذ ثماني سنوات، إنما تتعامل مع أطراف الصراع كأوراق لتحقيق مصالحها، وما أن تنتهي أهمية تلك الورقة حتى يتم رميها، والبحث عن أخرى أكثر جدوى وأهمية.
لقد أعلن الرئيس ترمب في فترة سابقة من هذا العام عن رغبته في الانسحاب من المشهد السوري وبالذات من المنطقة التي تتواجد بها القوى الكردية المسلحة.. وكان هذا يعني إبقاء الأكراد في مواجهة ميدانية غير عادلة مع تركيا.. ولأن الأكراد يعلمون أن تركيا وبالانطلاق من أوضاعها الداخلية لا تقبل ولا بأي حال من الأحوال وجود قوة كيانية كردية على حدودها، قد تمتد في أي لحظة إلى الداخل التركي.. فإن الهجوم التركي كان متوقعاً في أي لحظة. وقد كانت فرصة لأن يتوجه الأكراد إلى دمشق، بحيث يعود الكرد إلى حضن دولتهم السورية، التي يكون عليها في هذه الحالة واجب التحرك لحماية الأرض والشعب والحدود المهددة بالاجتياح التركي.
وكان يمكن الاتفاق على ترتيبات ما بعد إنهاء الأزمة السورية، تطبيق مبدأ اللامركزية ليس على مستوى مناطق شمال شرق سوريا، بل في كل المقاطعات، ذلك أن اللامركزية مبدأ إداري رشيق يحسن من الحالة العامة للدولة ويحقق العدالة والمساواة على مستوى الافراد والمناطق سواء بسواء.
ومع الأسف فإن التواصل مع دمشق قد توقف من الجانب الكردي بعد أن عدل الرئيس ترمب عن الانسحاب. وكان يجب استشراف المستقبل القريب على أساس أن الوجود الأميركي حالة مؤقتة ولا بديل لوجود الدولة السورية كحارس أمين لسيادة الدولة ومواطنيها وحدودها.
(3)
والحقيقة أن على الإخوة الأكرد أن يعوا أن مستقبلهم مع العرب سواء كانوا في العراق او سوريا، وان الاعتراف بحقوق الكرد في العراق يمثل حالة متقدمة لم يتحصلوا عليها لا في تركيا ولا في ايران، بل وان مواطنتهم الكاملة في سوريا هي حالة استثنائية، فالكردي في سوريا اطلع ويمكن أن يطلع بأعلى المواقع في الدولة والمجتمع هناك، وان مواطنته كاملة، وهذا ما كنت اراه واتلمسه حين كنت طالباً في جامعة حلب.
وأتمنى على الأكراد أن لا يندفعوا في سوريا بعداء للعرب، ليس له ما يبرره، وأن لا يطلبوا أكثر مما يمكن أن يعطى لأي مواطن أخر، فالديمغرافيا الكردية في السوريا محدودة في تلك المناطق ديمغرافيا محددة مقارنة بأشقائهم العرب، كان ذلك لا يحول دون المواطنة الكاملة كحقوق وواجبات.
(4)
وبعد: أن الفرصة لا زالت متاحة والتواصل مع دمشق اصبح ضرورة ملحة، خصوصاً بعد أن نفذ الأميركي وعده وانسحب تاركاً الأكرد يواجهون مصيراً مظلماً.
وليتعض الأخوة الكرد من تجاربهم المريرة بالاعتماد على قوى خارجية همها مصالحها فقط، حتى لو سال الدم الكردي أو العربي أنهاراً.
وهنا أقترح على رئاسة كردستان العراق، صاحبة التجربة الأهم في العلاقة العربية الكردية التي اثمرت كينونة كردية عتيدة في اطار الدولة العراقية، وعلى رئيس الإقليم الشاب الألمعي نيجيرفان بارزاني أن يأخذ زمام المبادرة ويسعى إلى ترتيب العلاقة بين دمشق والأكراد السوريين، باعتبار الإخوة اكراد العراق يعون أكثر من غيرهم المحاولات الدولية وسعيها الدائم للعبث بالموضوع الكردي واستخدامه.
والله ما وراء القصد.