ميثاق اقتصادي .. هل آن الأوان
العديد من التقارير الاقتصادية التي أعدتها جهات محلية ودولية حول الأردن خلال الأعوام الماضية أبرزت مسألتين في غاية الأهمية تتعلقان بجوانب السياسة العامة، الاولى هي عدم القدرة على التنبؤ بالسياسات والتغييرات في التشريعات والانظمة، أو ما يوصف أحيانا بـ”قواعد اللعبة” التي تحكم العلاقة بين طرفين تعاقدا ضمنيا أن الاطار القانوني القائم هو ما سيحكم العلاقة بين المستثمر من جهة وبين واضع التشريع أي الحكومة من جهة ثانية.
المسألة الثانية هي اللايقين، أي التغيير المستمر في السياسات العامة بشكل مفاجئ، في ظل غياب مشاورات حقيقية تنظم تلك العلاقات بشكل واضح، يرافق ذلك ضعف استجابة من طرفي العلاقة مما يؤدي الى سياسات عشوائية أحيانا وغير مدروسة الأثر، مما ينشر مناخا من الشك والريبة الذي يؤثر بدوره على القرارات الاستثمارية المتعلقة بالمستقبل. يضاف الى ذلك الانفاذ غير المتطابق او المتوازن لبعض التشريعات بحيث يمكن تفسيرها وتطبيقها بأسلوب مغاير لفئة دون الأخرى، وسبب ذلك الاجتهاد الشخصي غير الصحيح في الكثير من الأحيان للقائمين على تطبيق النصوص القانونية، والحال كذلك يصبح من الصعب الاستناد الى التشريع القائم لاتخاذ القرار الاستثماري الذي يمكن ان يحمل اكثر من تفسير.
وإذا اتفقنا مع هذا التشخيص الذي يقارب الحقيقة، يصبح لزاما اتباع سياسة واتخاذ قرارات، لن تكلف الخزينة مبالغ إضافية، ولن تمنح إعفاءات جديدة بقدر ما ستزيح الكثير من الضبابية التي تعيق عمل القطاع الخاص ولا تمنحه وضوح الرؤيا اللازم للاستثمار، سواء كان المستثمر محليا أو اجنبيا، ويمكن ان يتحقق ذلك من خلال ما يمكن تسميته “ميثاق اقتصادي استثماري” تصدره الحكومة وتتعهد الدولة الالتزام بمضامينه كاملة بغض النظر عن الظروف والمستجدات والتغييرات في السياسات، بحيث يتم ضمان سريان نصوص القوانين السارية مثل مستوى الضريبة، والاعفاءات وقوانين العمل وغيرها من القوانين ذات الصلة المباشرة بتنفيذ الأعمال، ولا يتغير ذلك إلا إذا كانت لصالح المستثمر، وبغير ذلك يتم الحفاظ على الوضع القائم الذي اتخذ القرار الاستثماري على أساسه، فالحكمة بأثر رجعي والعودة عن التزامات حكومية بحجة تغير الظروف لن تسمح او تهيئ لاستقطاب استثمارات جديدة، وهذه الممارسة معمول بها في العديد من الدول التي مرت بحالات أو أوضاع انتقالية كانت تشهد تغييرات متسارعة.
في البعد الثاني المتعلق بنفاذ القوانين، لا يمكن تجاهل ضرورة الأتمتة كحل للكثير من الإشكالات، ونعلم على سبيل المثال بعض أوجه التقدم في عدد من الدوائر الخدمية مؤخرا مثل أمانة عمان التي طورت جزءا من عملياتها، وهي جهة رسمية ما يزال امامها الكثير ولكنها نجحت بإعادة هندسة العمليات وحيدت العنصر البشري واجتهاداته في بعض المواقع، وعززت من أساليب الرقابة بطرق عصرية، ساهمت الى حد كبير باستعادة الثقة بعملها رغم أن أداءها ظل على مر السنين موضع خلاف وشكوى دائمة من قبل ملتقي الخدمة.
بالإمكان العمل على المحورين أعلاه، دون كلف إضافية ولكن ذلك الى جانب حزمة من الحوافز تفكر الحكومة الدفع بها قريبا يمكن ان يعطي دفعة إيجابية يحتاجها القطاع الخاص والاقتصاد الأردني.