أخطر إستراتيجية حكومية
فهد خيطان
غدا ستكشف الحكومة عن أهم واخطر وثيقة سياسات الدولة للأعوام العشرة المقبلة، وأعني، استراتيجية الطاقة للفترة 2020 إلى 2030 .
تأخر إعلان الاستراتيجية عدة أشهر بسبب أزمة كورونا من جهة، والتمعن الطويل بتفاصيلها المرتبطة بملفات عديدة في القطاع لم يحسم أمرها.
نقول مهمة وخطيرة، لأن ملف الطاقة هو العنصر الحاسم والمصيري في حياة المواطنين العاديين والقطاعات الاقتصادية وخزينة الدولة.
أكثر من سبعة مليارات دينار من مديونية الأردن سببها الطاقة، سواء ما يخص شركة الكهرباء الوطنية أو قطاع المياه. وكلفة الطاقة هي المحدد الرئيسي لقدرة قطاعات الصناعة والتجارة والزراعة على المنافسة في الأسواق الداخلية والخارجية.
ولعموم المواطنين تمثل فاتورة الطاقة بكل أشكالها الهم الأول، نظرا لكلفة مشتقات البترول المرتفعة، ناهيك عن فاتورة الكهرباء.
والطاقة هي أمل الأردنيين وطموحهم في الاستقلال الاقتصادي وتحقيق شعار الاعتماد على الذات، فقد شكل حلم الغاز والنفط وعي الناس على مدار عقود طويلة.
لكن كما الاستراتيجية فإن هذا الحلم يصطدم بحقائق مريرة، بعد شوط طويل قطعناه في مجال استخراج الصخر الزيتي وانتاج الكهرباء. الحلم تحول إلى كابوس للدولة وللناس بعد أن اتضحت حقائق جديدة عن جدوى المشروع وغموض في اتفاقياته وكلام حساس عن شبهات فساد.
مشروع الصخر الزيتي ليس وحده مصدر الوجع في ملف الطاقة، فمن قبله اتفاقيات الطاقة المتجددة، ومشاريع التنقيب عن الغاز في حقل الريشة التي تعرضت لانتكاسة بعد الرحيل المفاجئ قبل سنوات لشركة بريتش بتروليوم، وتكليف الشركة الوطنية بأعمال التنقيب، وسط آمال عريضة بتحقيق اختراقات مهمة في السنوات المقبلة.
بالمجمل ملف الطاقة مثقل بالنقاط السوداء والغامضة والاسئلة المحيرة التي اجتهدت الحكومة الحالية بتقديم إجابات عليها، لكن القلق العام ما يزال هو المسيطر.
تسعيرة المحروقات وتفاصيل اتفاقيات شراء الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة وغاز”نوبل أنيرجي” من إسرائيل وأخيرا وليس آخرا قنبلة “العطارات” التي لم تتكشف كل حقائقها بعد. كل هذه العناوين وغيرها تمثل ألغازا تحير الأردنيين، و أكثر من ذلك، أشد أوجاع الدولة وموازنتها إيلاما.
حتى العناوين المرتبطة باستيراد النفط محل سؤال، مشروع أنبوب النفط العراقي من البصرة إلى العقبة، والعالق وسط الحسابات السياسية حاليا، والنفط الذي توقف استيراده من العراق لأسباب غير معلومة، الملف النووي لإنتاج الطاقة المتعثر منذ سنين لاعتبارات سياسية واقتصادية بعضها معلوم وبعضها الآخر مجهول.
ما ستعلنه وزيرة الطاقة هالة زواتي هذا الأسبوع ليس مجرد استراتيجية روتينية لوزارة، بل سياسة عامة للدولة ستقرر مدى نجاحنا أو إخفاقنا الاقتصادي في العقد المقبل. استراتيجية ستقرر مصير الاقتصاد الوطني في ظروف استثنائية صعبة، وعلى أساسها يمكن بناء مجمل السياسات المالية والنقدية للدولة الأردنية.
وفي انتظار الكشف عن عناوين وتفاصيل الاستراتيجية ينبغي على الحكومة أن تستنفر طاقاتها للتصدي والإجابة على عشرات الأسئلة التي ستنهال عليها من كل الاتجاهات، وتخرج للرأي العام لتقديم شروحات وافية لمضامينها، عسى أن نحظى هذه المرة بخريطة طريق مفهومة لقطاع الطاقة، تضع اقتصاد البلاد على السكة الصحيحة.