كيف تنهار الدول ؟
صوت الحق -
لم يحمل التاريخ الحديث نموذجا لدولة انهارت لأسباب اقتصادية بحتة، دائما ما كانت السياسة أو الحروب هي العامل الحاسم في سقوط الحكومات وانهيار الدول. في زمننا هذا شهدنا سقوط وتفكك الدولة في العراق بفعل الغزو الأجنبي، وقبل ذلك بسنوات حدث أمر مماثل للكويت. الاضطرابات السياسية والأمنية أدت لسقوط الدولة في ليبيا، وكادت سورية أن تسقط في نفس الفخ، لولا أن عوامل داخلية وخارجية تكاتفت لتجنب هذا الخيار، فأبقت على هيكلية الدولة رغم هشاشتها وخضوع جزء غير قليل من أراضيها لسيطرة قوى خارجية. لبنان يساق اليوم كمثال على دور الاقتصاد في انهيار الدولة. هل الاقتصاد فعلا هو سبب الانهيار الحاصل أم أنه نتيجة لعوامل سياسية في الأساس؟ عانت دول كثيرة من أزمات اقتصادية خانقة، لكنها لم تواجه خطر الانهيار كدول كما هو حال لبنان. اليونان تعد مثالا حيا على ما يمكن أن يسببه الاقتصاد من أخطار حقيقية. بلد أثقلته المديونية، وخضع لأقسى برنامج إصلاح اقتصادي مقابل معونات أوروبية. لكن الإصلاحات الاقتصادية على أهميتها لم تكن لتكفي بدون وجود نخبة سياسية مستعدة لتحمل مسؤولياتها حيال بلدها وشعبها. والمثير للاهتمام هنا، أن الأحزاب اليسارية في اليونان هي التي قادت عملية الاصلاح بعد أن أطاح الشعب بطبقة سياسية قادت البلاد للانهيار الاقتصادي. الأمر برمته منوط بالسياسة، ولبنان كان وما يزال نموذجا لأسوأ صنف من الساسة، الذين وضعوا مصالحهم الشخصية والفئوية فوق مصالح شعبهم وبلادهم. والقضية ليست وليدة سنوات قليلة، بل عملية ممتدة لعقود طويلة. وليس غريبا أن نسمع على كل لسان لبناني عبارة متكررة مفادها أن الخراب يعود لثلاثين عاما من حكم زعماء الطوائف. السياسيون هم من قاد لبنان للخراب، استدانوا لتمويل فسادهم، وأنفقوا لتعزيز سلطة أحزابهم الطائفية، وحكموا البلاد بمنطق الطوائف لا الشعب الواحد. ولأن الأمور بنتائجها، ليس غريبا في هكذا حال أن تستغل أطراف خارجية أزمة الحكم المستعصية لفرض شروطها السياسية على لبنان، وإضعافه لحساب إسرائيل أو غيرها من القوى الخارجية. كان يمكن لسياسي بصير أن يتوقع النتيجة دون عناء تفكير، لكن أحدا من ساسة لبنان، لم يكلف خاطره للوقوف مبكرا على الحالة الاقتصادية ومعالجة أسبابها قبل أن تتفاقم إلى الحد الذي يتحول معه اللبنانيون إلى شعب يواجه خطر المجاعة بكل معنى الكلمة، ودولة عاجزة مشلولة وغير قادرة على الوفاء بأبسط واجباتها تجاه مواطنيها. برنامج الإصلاح الاقتصادي تعطل بفعل فاعل سياسي، يعيق الحكومة عن المضي في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. والمفارقة هنا أن القوى التي هاجمت مرارا سياسات التصحيح الصندوقية هي التي تكافح للوصول لاتفاق مع المؤسسة النقدية العالمية الأكثر نفوذا وسطوة. بالنسبة لنا في العالم العربي، انهيار دولة لم يعد خبرا مثيرا يجذب الاهتمام، لقد تعودنا على متابعة أخبار الدول وهي تنهار من حولنا، واستقبال ملايين اللاجئين والمشردين. لكن انهيار لبنان تحديدا سيعني الكثير للمشرق العربي المحطم والمهدد، وسيجر كوارث على المنطقة ليس أقلها انفلات الصراع الطائفي من عقاله.
لم يحمل التاريخ الحديث نموذجا لدولة انهارت لأسباب اقتصادية بحتة، دائما ما كانت السياسة أو الحروب هي العامل الحاسم في سقوط الحكومات وانهيار الدول. في زمننا هذا شهدنا سقوط وتفكك الدولة في العراق بفعل الغزو الأجنبي، وقبل ذلك بسنوات حدث أمر مماثل للكويت. الاضطرابات السياسية والأمنية أدت لسقوط الدولة في ليبيا، وكادت سورية أن تسقط في نفس الفخ، لولا أن عوامل داخلية وخارجية تكاتفت لتجنب هذا الخيار، فأبقت على هيكلية الدولة رغم هشاشتها وخضوع جزء غير قليل من أراضيها لسيطرة قوى خارجية. لبنان يساق اليوم كمثال على دور الاقتصاد في انهيار الدولة. هل الاقتصاد فعلا هو سبب الانهيار الحاصل أم أنه نتيجة لعوامل سياسية في الأساس؟ عانت دول كثيرة من أزمات اقتصادية خانقة، لكنها لم تواجه خطر الانهيار كدول كما هو حال لبنان. اليونان تعد مثالا حيا على ما يمكن أن يسببه الاقتصاد من أخطار حقيقية. بلد أثقلته المديونية، وخضع لأقسى برنامج إصلاح اقتصادي مقابل معونات أوروبية. لكن الإصلاحات الاقتصادية على أهميتها لم تكن لتكفي بدون وجود نخبة سياسية مستعدة لتحمل مسؤولياتها حيال بلدها وشعبها. والمثير للاهتمام هنا، أن الأحزاب اليسارية في اليونان هي التي قادت عملية الاصلاح بعد أن أطاح الشعب بطبقة سياسية قادت البلاد للانهيار الاقتصادي. الأمر برمته منوط بالسياسة، ولبنان كان وما يزال نموذجا لأسوأ صنف من الساسة، الذين وضعوا مصالحهم الشخصية والفئوية فوق مصالح شعبهم وبلادهم. والقضية ليست وليدة سنوات قليلة، بل عملية ممتدة لعقود طويلة. وليس غريبا أن نسمع على كل لسان لبناني عبارة متكررة مفادها أن الخراب يعود لثلاثين عاما من حكم زعماء الطوائف. السياسيون هم من قاد لبنان للخراب، استدانوا لتمويل فسادهم، وأنفقوا لتعزيز سلطة أحزابهم الطائفية، وحكموا البلاد بمنطق الطوائف لا الشعب الواحد. ولأن الأمور بنتائجها، ليس غريبا في هكذا حال أن تستغل أطراف خارجية أزمة الحكم المستعصية لفرض شروطها السياسية على لبنان، وإضعافه لحساب إسرائيل أو غيرها من القوى الخارجية. كان يمكن لسياسي بصير أن يتوقع النتيجة دون عناء تفكير، لكن أحدا من ساسة لبنان، لم يكلف خاطره للوقوف مبكرا على الحالة الاقتصادية ومعالجة أسبابها قبل أن تتفاقم إلى الحد الذي يتحول معه اللبنانيون إلى شعب يواجه خطر المجاعة بكل معنى الكلمة، ودولة عاجزة مشلولة وغير قادرة على الوفاء بأبسط واجباتها تجاه مواطنيها. برنامج الإصلاح الاقتصادي تعطل بفعل فاعل سياسي، يعيق الحكومة عن المضي في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. والمفارقة هنا أن القوى التي هاجمت مرارا سياسات التصحيح الصندوقية هي التي تكافح للوصول لاتفاق مع المؤسسة النقدية العالمية الأكثر نفوذا وسطوة. بالنسبة لنا في العالم العربي، انهيار دولة لم يعد خبرا مثيرا يجذب الاهتمام، لقد تعودنا على متابعة أخبار الدول وهي تنهار من حولنا، واستقبال ملايين اللاجئين والمشردين. لكن انهيار لبنان تحديدا سيعني الكثير للمشرق العربي المحطم والمهدد، وسيجر كوارث على المنطقة ليس أقلها انفلات الصراع الطائفي من عقاله.