خدمة العلم .. هل فعلنا الصواب؟

{title}
صوت الحق - لست متأكدا بأننا فعلنا الصواب عندما أدرجنا مشروع تأهيل الشباب فوق سن 25 ضمن قانون خدمة العلم، بالنسبة لأبناء جيلي ممن تشرفوا بخدمة العلم سنتين في القوات المسلحة الجيش العربي، فإن المقاربة المطروحة حاليا مختلفة كليا عن تجربة الخدمة في معسكرات الجيش العربي.

مشروع خدمة وطن الذي تبنته الحكومة سابقا هو في اعتقادي المسار الأنسب لتحقيق الغايات المنشودة، خاصة أن الملتحقين في البرنامج كانوا يحظون بفترة من التدريب في معسكرات الجيش، كما أن لدى مؤسسات الحكومة المعنية بالتدريب المهني وبالتعاون مع القطاع الخاص مايكفي من الخبرات والقدرات لتخريج مهنيين محترفين من الشباب الراغبين في تعلم مهن مطلوبة لسوق العمل.

وإلزامية خدمة العلم بالشكل الذي كانت عليه قبل وقف العمل بالقانون، مفهومة ومنطقية في السياق الوطني العام، لكن في الصيغة المطروحة حاليا، ثمة صعوبة بالغة في إلزام الشباب بالالتحاق ببرنامج مهني قد لا يتناسب وخياراتهم الوظيفية وميولهم المهنية التي خططوا لها.

أستطيع أن أفهم القيمة المضافة من التحاق الشباب ببرنامج تدريب في معسكرات الجيش لمدة ثلاثة أشهر، وأتمنى لو تكون ستة بدلا من ثلاثة، لكن الأسئلة تبرز بعد هذه المرحلة.

البرنامج يشمل الأعمار من 25 إلى 29 سنة ممن تنطبق عليهم الشروط المنصوص عليها في التعليمات. هذه الفئات العمرية هي لشباب تجاوزوا مرحلة الاختيار في الحياة، فإما تخرجوا من الجامعات ويبحثون عن عمل، أو اكتفوا بالمرحلة الثانوية وانتقلوا لسوق العمل بحثا عن فرصة، بمعنى آخر، تكونت شخصياتهم وتحددت خياراتهم.

لا يمكن في هذه السن المتقدمة أن تطلب من شاب رسم طريقه من جديد. الحرفة يتشربها الشخص في سن أصغر من ذلك ويتقن مهاراتها قبل أن يتقدم في العمر. انظروا إلى الشباب الذين يدخلون سوق العمل لتعلم المهن مثل الميكانيك والنجارة والحدادة وغيرها، هم في الغالب في أوائل العشرينيات وليس آخرها. في تقاليد مجتمعنا من يبلغ سن 29 يبدأ والده بالتخطيط لزواجه وليس لتعليمه مهنة ليبدأ حياته من جديد.

والتحدي الثاني يتمثل في توزيع الشباب بعد مرحلة التدريب العسكري على المنشآت والمؤسسات الحكومية. ما نوعية الأعمال والمهارات التي سيتعلمها شاب يلتحق بواحدة من الوزارات المثقلة أصلا بالموظفين؟

في برنامج خدمة وطن كان الاتجاه نحو إلحاق الشباب بشركات ومصانع القطاع الخاص حيث يمكن اكتساب مهارات بمهن متنوعة ومطلوبة لسوق العمل، أما في القطاع العام حيث الترهل وقلة الإنتاجية وغياب الأقسام المهنية المحترفة، فالمرجح أن المتدربين سيقضون أياما من البطالة المقنعة، هذا إذا لم يجدوا وسيلة للتملص من الدوام وقضاء فترة التسعة أشهر في منازلهم مقابل 100 دينار شهريا.

معالجة مشكلة البطالة في سوق العمل، تبدأ من الجامعات حيث الإشكالية الكبرى في التخصصات ومخرجات التعليم التي لا تناسب سوق العمل. من هناك يمكن أن نبدأ بتجفيف مشكلة البطالة ضمن برنامج زمني مدروس، أما مقاربة الحكومة عبر خدمة العلم بحلته الجديدة فهي كمن يحرث الأرض دون أن يزرعها.