المذكرات السياسية

{title}
صوت الحق - علاء مصلح الكايد

بشكل يقترب من أن يشكل ظاهرة، ينبري ساسة كبار لكتابة مذكراتهم السياسية وإشهارها وتلك حالة نادرة في مملكتنا، ولعلّ التزامن في ذلك هو ما قد يثير الإستغراب حيث توالت المذكرات خلال العامين الماضيين وستتوالى تباعاً بكل تأكيد.

ومن حيث المبدأ، فإني أرى في ذلك سُنّة حميدة ليست مستحدثة على صعيد العالم، بل هي مصدر من مصادر التاريخ الذي سيقرأه جيل الغد مُطّلِعاً على تجارب ساسة يسردون بعض كواليس الحياة العامة في المملكة.

لكنّ الأهمّ في قائمة المرجوّ من تلك المذكّرات هو التأريخ الحقيقيّ للمصاعب الجمّة التي واجهت الوطن وتواجهه، لا البحث عن صكوك غفران شعبيّة تبرأ معها ساحة كاتب المذكرات، فذلك سيجرّنا إلى مربّعٍ مليء بالمتناقضات التي يرمي كلّ فيها على سلفه أو خلفه، كما أنها ستتنافر مع النتائج المتحققة على أرض الواقع إن لم تتّصف بالموضوعيّة، فمن الجميل أن تحضر الواقعيّة لتؤشّر على خطأٍ وقع طالما أنّنا بشر نصيب وقد نخطيء، وحياتنا ليست مجرد سلسلة من البطولات.

وقبل ذاك، كنت أتمنّى لو أن شهود العيان على العصر قد إنبروا ليفنّدوا الإفتراءات التي تُطلق عبر أفواه فتنة تقبع في الخارج، فالكثير ممّا يقال مشوب إمّا بالتضليل أو الإنحراف، وهنا يأتي دور أصحاب الذاكرة ممّن كانوا في السُّلطة حينئذ.

وإن أكثر أدوات المصداقيّة هي الإعتراف بالخطأ حتى وإن جاء ذلك على سبيل التبرير، فهذه المديونية ومستويات الفساد التي تظهرها المؤشرات الدوليّة نتيجة تلقائية لسوء إدارة، وقد تتعارض هذه النتائج مع بعض ما جاء وسيجيء في تلك المذكرات فتضحي بلا مُسبِّبٍ أو فاعل فتُقيّد ضدّ مجهول، ولا بدّ أن نتحلّى بالشجاعة للإعتراف بالخلل عند تحققه، ثمّ تبريره إذا توفرت الأسباب.

لقد قرأت في سِيَر الأوّلين والمعاصرين من الساسة في الغرب والعرب، ولم أجد أصدق من أولئك الذين قدّموا الدليل على مُسبِّبات قراراتهم ودفاعهم عنها حتى وإن عدّها الآخر غير صائبة.

وما نتمنّاه حقيقة؛ أن تعزّز المذكرات المنشورة تاريخنا الوطنيّ، وأن تشكّل حالة حقيقيّة تزرع في الأجيال حِسّ المسؤوليّة الوطنية متضمّنة النصائح لتفادي أخطاء الماضي وإستدراكها مستقبلاً.

خلاصة القول، نريد مذكراتٍ تكرّس معاني المسؤوليّة والتي تُعرّف لُغة على أنها " إلتزام الشخص بما يصدر عنه من قول، أو فعل " وإصطلاحاً بأنّها " قدرة الشخص على تحمّل نتائج أفعاله التي يقوم بها باختياره، مع علمه المسبق بنتائجها، كما أنّها شعور أخلاقي يجعل الإنسان يتحمّل نتائج أفعاله، سواء كانت أفعالاً جيّدة، أم أفعالاً سيّئة " وذلك ضمن أطُرها الرئيسيّة، القانونيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة.

والله من وراء القصد