الرؤية غائبة والتشكيل عقيم
صوت الحق -
في وارسو، ينتظم عقد السياسة الجديدة بوتيرة متسارعة. يعرض الناس أوجها عديدة للصفقة القادمة، وبينما تتداعى الدفاعات الكلاسيكية أمام ارادة التطبيع الفولاذية، يلوح شبح شيلوك في الأفق.
في مستهل مرافعاته عن صفقة القرن المزمع طرحها، يصل كوشنير إلى المنطقة خلال الأسابيع المقبلة.
ريثما يصل، سأتوقف قليلا للكتابة عن المزاج الوطني الرثّ، ذاك الذي يتجه يوما بعد يوم، نحو عتبة التشاؤم الخطير.
فضلاً عن الخيبات التاريخية التي عاشوا معها وأيقنوا أن لا منجى منها، فإن حصة الفرد من القلق، تبلغ الأعلى هنا في البلاد.
أضحى القلق رفيق الصباحات والمساءات. لم يعد بوسع الناس معرفة شرق البلاد من غربها، ولا شمالها من جنوبها. يستيقظون كل يوم على صفعة جديدة، في السياسة وفي الإقتصاد وفي سائر الحياة، وينتظرون الظهيرة للفرج، فلا تأتي المساءات بغير مزيد من الصفعات.
لقد مضى على الناس وقت طويل في انتظار تغيير ما، في النهج وفي التفكير وفي ارتفاع مستوى الخطاب الذي توجهه الحكومات لهم، أثناء تسويق الضرائب أو تمرير القوانين، وحيال المئات القضايا التي تنضح بها منصات حكومية لم تغيّر من الأمر شيئا.
عطفا على هذا الإختلال، بات المثقف قلقاً على حروفه وقد تراجع دورها كوسيلة ناجعة لتفويج يأسه. في هذه اللحظة القاسية، شقَّ الدجل طريقاً على جثة الإبداع، فأضحى الصدق سلعة غالية، والإحترام وعد مكذوب.
في مجلس النواب، يقلق الناس وهم ينظرون لهزائم أنفسهم وانكسارات بصمات أيديهم تتوالى تحت القبة وفي أرجائها، وأداء لم يرتق أبدا لما كانوا يحلمون.
وسط فوضى التلاصق المصلحي، يقلق الناس وهم يرون أحلام العدل تتهاوى سريعا، وأبراج الثقة تختصر ارتفاعاتها حتى تصل مستوى قامة قصيرة، أو قفزة استثنائية. يقلق الآباء الذين رهنوا واقترضوا لتعليم أبنائهم، وهم يرون فرصهم في الوظائف أعطيات ومكرمات.
يقلق الناس وهم يرون انهيارا متسارعا للقيم، وإخفاقا مدويّاً في تمرير قواعد المنطق. يقلق الناس وهم ينتظرون خطط التشغيل الخجولة التي لن تأتي أبدا، ويتعاظم القلق حين يتعمّق تغوّل البطالة على القيم الإجتماعية ويزداد أثرها الخطير على مسيرة الحياة في المجمل.
يقلق الناس، من الإصرار على التحضير المتين لأمسيات قادمة صاخبة، من الإمعان في ترسيخ نهج انتصار الصوت العالي، من التمادي في الفشل وتسويقه كنجاح باهر.
أقلق، مثلما يقلق الناس، من دفاعات هزيلة أمام المد الأزرق العالي، من استهانة عامة، ومن ممارسة ساذجة لطقس النعام.
وسط هذا الإنفصام، لنا الحق أن نقلق، أن تعلو العقائر بالأسئلة: عن حياة متخمة بالمكوس، وفقيرة، عن مفاتيح خروج ضائعة، عن تمادٍ في الحياد عن جادة الصواب وعن الحكمة، وعن الصبر.
أقلق من ضعف البصيرة عن التقاط الممكنات، في نهضة وطنية، اقتصادية وسياسية، عن مكاشفة حقيقية، عن عدم اختباء وارتباك.
أقلق ويقلق الناس، من تداعٍ وشيك، لمجتمع متماسك، من مقامرة خائبة بتاريخ وطن وسجل شهداء.
أقلق ويقلق الناس، من حكومات لا تملك تنفيذ ما يقوله الملك. لا تملك وقتا لقراءة أوراقه السياسية، ولا حتى وقتا لتنزع عباءة الارتباك، وإعادة انتشار الدفاعات، وسط توالي التداعيات.
أملك ويملك الناس حق القلق، ما دامت الرؤية غائبة والتشكيل عقيم.
في مستهل مرافعاته عن صفقة القرن المزمع طرحها، يصل كوشنير إلى المنطقة خلال الأسابيع المقبلة.
ريثما يصل، سأتوقف قليلا للكتابة عن المزاج الوطني الرثّ، ذاك الذي يتجه يوما بعد يوم، نحو عتبة التشاؤم الخطير.
فضلاً عن الخيبات التاريخية التي عاشوا معها وأيقنوا أن لا منجى منها، فإن حصة الفرد من القلق، تبلغ الأعلى هنا في البلاد.
أضحى القلق رفيق الصباحات والمساءات. لم يعد بوسع الناس معرفة شرق البلاد من غربها، ولا شمالها من جنوبها. يستيقظون كل يوم على صفعة جديدة، في السياسة وفي الإقتصاد وفي سائر الحياة، وينتظرون الظهيرة للفرج، فلا تأتي المساءات بغير مزيد من الصفعات.
لقد مضى على الناس وقت طويل في انتظار تغيير ما، في النهج وفي التفكير وفي ارتفاع مستوى الخطاب الذي توجهه الحكومات لهم، أثناء تسويق الضرائب أو تمرير القوانين، وحيال المئات القضايا التي تنضح بها منصات حكومية لم تغيّر من الأمر شيئا.
عطفا على هذا الإختلال، بات المثقف قلقاً على حروفه وقد تراجع دورها كوسيلة ناجعة لتفويج يأسه. في هذه اللحظة القاسية، شقَّ الدجل طريقاً على جثة الإبداع، فأضحى الصدق سلعة غالية، والإحترام وعد مكذوب.
في مجلس النواب، يقلق الناس وهم ينظرون لهزائم أنفسهم وانكسارات بصمات أيديهم تتوالى تحت القبة وفي أرجائها، وأداء لم يرتق أبدا لما كانوا يحلمون.
وسط فوضى التلاصق المصلحي، يقلق الناس وهم يرون أحلام العدل تتهاوى سريعا، وأبراج الثقة تختصر ارتفاعاتها حتى تصل مستوى قامة قصيرة، أو قفزة استثنائية. يقلق الآباء الذين رهنوا واقترضوا لتعليم أبنائهم، وهم يرون فرصهم في الوظائف أعطيات ومكرمات.
يقلق الناس وهم يرون انهيارا متسارعا للقيم، وإخفاقا مدويّاً في تمرير قواعد المنطق. يقلق الناس وهم ينتظرون خطط التشغيل الخجولة التي لن تأتي أبدا، ويتعاظم القلق حين يتعمّق تغوّل البطالة على القيم الإجتماعية ويزداد أثرها الخطير على مسيرة الحياة في المجمل.
يقلق الناس، من الإصرار على التحضير المتين لأمسيات قادمة صاخبة، من الإمعان في ترسيخ نهج انتصار الصوت العالي، من التمادي في الفشل وتسويقه كنجاح باهر.
أقلق، مثلما يقلق الناس، من دفاعات هزيلة أمام المد الأزرق العالي، من استهانة عامة، ومن ممارسة ساذجة لطقس النعام.
وسط هذا الإنفصام، لنا الحق أن نقلق، أن تعلو العقائر بالأسئلة: عن حياة متخمة بالمكوس، وفقيرة، عن مفاتيح خروج ضائعة، عن تمادٍ في الحياد عن جادة الصواب وعن الحكمة، وعن الصبر.
أقلق من ضعف البصيرة عن التقاط الممكنات، في نهضة وطنية، اقتصادية وسياسية، عن مكاشفة حقيقية، عن عدم اختباء وارتباك.
أقلق ويقلق الناس، من تداعٍ وشيك، لمجتمع متماسك، من مقامرة خائبة بتاريخ وطن وسجل شهداء.
أقلق ويقلق الناس، من حكومات لا تملك تنفيذ ما يقوله الملك. لا تملك وقتا لقراءة أوراقه السياسية، ولا حتى وقتا لتنزع عباءة الارتباك، وإعادة انتشار الدفاعات، وسط توالي التداعيات.
أملك ويملك الناس حق القلق، ما دامت الرؤية غائبة والتشكيل عقيم.