فلسطين في “مونديال العرب”..!

{title}
صوت الحق -


















علاء الدين أبو زينة

لا يشك الفلسطينيون للحظة في انتمائهم العربي العريض، وفي وقوف الشعوب العربية كافة إلى جانب قضيتهم. ولا تتعلق المسألة فقط بمختلف الروابط التي تجمع العرب معًا، وإنما تدعم موقف التضامن عدالة القضية، والآثار السلبية الحتمية التي رتبها على كل عربي في كل مكان وجود الكيان الصهيوني الغريب والعدواني في قلب المنطقة.

كان مما فعله المونديال هو إعادة التأكيد على المؤكد من وحدة العواطف والأماني الشعبية العربية، والتجاوز الطبيعي للحدود القطرية والتقسيمات السياسية التي تفتعلها الأنظمة. وقد أوضح المونديال أن العربي لا يستطيع سوى أن يناصر منتخبا عربيا مشاركا في البطولة، باعتبار المونديال مسابقة بين الأمم التي تعبر بكل رمز ممكن عن انتماءاتها الوطنية والقومية. وقد أطلق الإعلام العربي، ومنه الإعلام القطري نفسه، وصف “مونديال العرب” على الحدث الدولي أكثر مما استخدم الصفة المحلية، “مونديال قطر”.

في هذه المناخات، من الطبيعي أن تظهر القضية الفلسطينية كجزء أصيل من تعبير العرب الذين اجتمعوا في قطر عن هويتهم المشتركة. وقد أراد الكثيرون منهم إعلان حقيقة أنهم لم يتخلوا عن أشقائهم الفلسطينيين، وأن محاولات تطبيع الكيان الصهيوني الاستعماري في المنطقة لا تعنيهم ولا تعبر عن مشاعرهم. وحضرت فلسطين في ارتداء الأوشحة وحمل الأعلام الفلسطينية والتجاوب مع الناشطين الذين حاولوا استثمار الحدث لوضع فسطين في الواجهة.

من الصعب، بطبيعة الحال، رصد كل التعبيرات التي أظهر بها الأشقاء العرب التزامهم بالقضية الفلسطينية. ثمة، على سبيل المثال، الشاب القطري الذي يوزع شارات فلسطين التي تُلف على الذراع، برسم الكوفية والعلم، على جماهير كأس العالم، من العرب والأجانب، مجانًا. وهناك ناشط اليوتيوب السعودي الرائع، عبد العزيز التميمي، الذي كان يبيع أعلام الدول المختلفة للمشجعين، باستثناء علم فلسطين الذي وزعه مجاناً أيضاً كهدية مع الأعلام التي يبيعها. وأينما صورت الكاميرات التجمعات والأنشطة، كثيرًا ما ظهرت الرموز الفلسطينية أو رُفعت الأعلام الفلسطينية في المدرجات.

مع ذلك، لعل من أهم ما قاله المواطنون العرب من المحيط إلى الخليج هو رفضهم التعامل مع العدو الصهيوني، من خلال رفض الإدلاء بأي تصريحات لوسائل إعلام الكيان التي تواجدت في الحدث. وكان رد فعل الآخر، غير الابتعاد بلا أي كلمة عن مراسلي إعلام العدو لدى معرفة هويتهم، هو ترديد اسم فلسطين، أو التأكيد على أنه ليس هناك شيء اسمه “إسرائيل”.

هذا الرفض الشامل لشرعنة الكيان والتعامل مع أدواته الإعلامية أوصل رسالة إلى قادة العدو ومستوطنيه في كل فلسطين المحتلة، هي أن أي اتفاقيات أو محاولات لا يمكن أن تطبع الكيان في وعي الشعوب العربية. وسوف تستنهض الرسالة الواضحة التي عبر عنها هؤلاء المراسلون المنبوذون مشاعر الخوف الذي ينبغي أن يكون ملازماً لكل سارق ومغتصب ينتظر العقاب الحتمي.

وينبغي أن تصل الرسالة نفسها إلى المناصرين لسياسة التطبيع، تفيد بأن هذه السياسات لا تعبر عن الإرادة الشعبية العربية، وأنها بلا شك أحد عناوين الانفصال بين المواطنين العرب وقياداتهم. وإذا كان لهذه السياسات أن تنجز شيئًا جوهريًا، فهو لمصلحة العدو فحسب. لكنها ستؤكد على عدم شرعية النخب السياسية الذي يجسده تصرفها بما يتعارض جوهريًا مع عواطف وأماني الذين تدعي أنها تمثلهم وتتحدث بصوتهم. وبذلك يكون تطبيع الكيان أداة إضافية فقط لفرض الإرادة بالقوة على المحكومين.

بطبيعة الحال، يرسل حضور فلسطين المميز في مونديال العرب رسالة طمأنة ضرورية إلى الفلسطينيين المشتبكين مع العدو من موقع المقاومة ورفض الاستعمار. كما يفكك الإعلانات المتكررة في المقالات والتحليلات عن أن القضية الفلسطينية ذهبت إلى الظل بالنسبة للعرب “الآخرين” ولم تعد في قائمة انشغالاتهم. إن هذا صحيح بالمطلق عندما يتعلق الأمر بالأنظمة، لكنه غير صحيح عندما يتعلق بالعرب العاديين. وهذا هو المهم حقاً بالنسبة للفلسطينيين، لأنه يدعم مطالباتهم المحقة، حتى لو عبر الساسة الفلسطينيون الرسميون وبعض العرب عن غيرها. والفكرة أن المطالبين بعروبة وحرية فلسطين ليسوا معظم الشعب الفلسطيني المؤمن بقضيته فحسب، وإنما الغالبية الساحقة على الأقل من العرب كافة. وينبغي أن لا يضيع حق ولاءه كل هؤلاء المطالبين.