كيف قضى صحافي اردني 4 ايام في سورية؟
كتب: محمد الحوامده
عندما قررت السفر بغرض السياحة إلى سورية برفقة أسرتي، كان أكثر الأسئلة التي أتلقاها يتعلق بالأمن والأمان في دمشق والطريق المؤدي إليها برّا.
وبعد أربعة أيام قضيتها في حاضرة الأمويين، كان السؤال الأبرز: هل كان البلد آمنا؟ هل كانت الطريق آمنة؟
قبل السفر أجبت، نعم آمنة، فناشطو السوشال ميديا ممن يكتبون عن تجارب الرحلات، وثقوا رحلات بالصوت والصورة، مضت وتكررت بأمان، وكتب ناشطون آخرون عن تجاربهم لرحلات إلى سورية، لم يشيروا إلى أي شيء سلبي حول الأمن.
وبعد عودتي إلى عمان، وبإجابة سريعة لكل المتساءلين، أقول من تجربة شخصية: نعم آمنة، وآمنة جدا.
كانت النصائح تنهمر عليّ قبل السفر: أن أخفي هويتي كصحفي، وإن حوصرت بالأسئلة أجب، بأنك لست صحفيا ولكن هوايتك الكتابة، حفظت هذه العبارات عن ظهر قلب، ولكن "الكذب" وإن كان "كذبا أبيض"، فحباله قصيرة!
تحرّكت الحافلة من عمّان في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا، الحافلة ممتلئة، عائلات وركاب منفردون كانوا على متنها، حتى وصلنا مركز حدود جابر وأتممنا إجراءات السفر، وغادرنا ظهرا باتجاه مركز نصيب الحدودي، المقابل لمركز جابر من جهة الأردن.
تذكرت نصيحة إخفاء هويتي كصحفي، واقتنعت بها، فأنا سأزور سورية وعائلتي بقصد السياحة لا بقصد العمل الصحفي، فلا داعي لأحمل وأحمّل عائلتي عبء كتابة تعهدات أو الالتزام بتعليمات لست بحاجة إليها، فلن أكتب حرفا قبل عودتي إلى الأردن، هكذا كان القرار في داخلي، لذا التزمت بالنصيحة.
وصلنا نصيب، ليجمع سائق الحافلة جوازات السفر لختم الدخول إلى سورية، بعدها بنصف ساعة أو أكثر قليلا، أعاد السائق جوازات السفر لكل الركاب دون أي ملاحظة، وللمصادفة كان جواز سفري الأول بين جميع جوازات سفر الركاب التي سلّمنا إياها السائق بالمناداة.
بعد ست ساعات ونصف من انطلاقنا من العبدلي، وصلنا مجمع السفريات في منطقة القدم، بسبب الأزمة على الحدود للمغادرين من الأردن، والقادمين إلى سورية، والتدقيق على ركّاب الحافلة، من قبل ثلاثة حواجز عسكرية، كان فيها أفراد الجيش العربي السوري، بمنتهى اللطافة.
من زار دمشق (مثلي) قبل عام 2011 ويزورها في هذه الأيام لن يجد اختلافا كبيرا، فالأمن والأمان في الطريق الواصل إلى دمشق وداخلها كما هو، وحركة المركبات داخل دمشق تسير كالمعتاد.
تتواجد في بعض المناطق الرئيسية حواجز عسكرية، لكنها تتوزع بطريقة لا تشكل إزعاجا لسكان دمشق أو زوارها، وفي حال توقيف سيارة والسؤال عن هوية ركّاب التكسي، يبادر أفراد الدورية بالتهليل والترحيب والتحيّات، محمّليننا أمانة السلام على "الأهل في الأردن"، وقد سألنا أحدهم فيما إذا تسبب أيا كان بإزعاجنا في دمشق.
أما المواطن السوري في الشارع، والذي أنهكه كما أنهك الدولة السورية قانون قيصر، فيرمي وراءه خط (سايكس-بيكو)، وهو يحدثك عن معاناة الحصار كما لو كنت تسمعها من شخص يقطن في محافظة أردنية غير التي تسكنها، ليختم اللقاء التعارفي بـ "وجعنالك قلبك..نورتن سورية !".
لن أتحدث عن الأسعار والأماكن السياحية في العاصمة دمشق، فلست مختصا بكتابة المراجعات والتقييمات، لكن بشكل عام، فإن السائح الأردني لن يشعر بغلاء المعيشة الذي يعاني منه الأشقاء في سورية، بسبب فرق العملة من جهة، وغلاء الأسعار هنا في الأردن، من جهة أخرى!
وبالنسبة لانقطاع الكهرباء أيضا، فتتعامل معه المطاعم والمحال والمرافق السياحية، كتكاليف إضافية، بسبب استخدام المولدات، بحيث لا تشعر بانقطاع الكهرباء إلا لثوان معدود، حتى تعمل المولدات بشكل تلقائي!
بعد ثلاث ليال من الإقامة في فندق مشيّد على طريقة البيوت الشامية، غادرنا إلى عمّان،،،
تحركت الحافلة في تمام الساعة 12:25 ظهرا من منطقة دمشق القدم، ووصلنا مركز حدود نصيب بعدها بساعتين ونصف، توقفنا خلالها مرة واحدة في استراحة بمنطقة الكسوة، وعند دورية عسكرية، كانت ككل سابقاتها، غاية في الود واللطف، حتى أن أحدهم سألني أن كنت أعرف أن هناك عائلات من الحوامده، التي تقطن منطقة الحارّة بمحافظة درعا، فأجبته بنعم، وتمنى لنا السلامة وغادر الحافلة.
في مركز حدود نصيب، طلب منّا السائق حمل جوازات سفرنا لختم الخروج، نزلت من الحافلة وأنا أسائل نفسي إن كان حبل الكذب قصير، أو أنها مجرد خرافة!
عند الكاونتر، نادى على اسمي ضابط ختم الجوازات، فتوجهت إليه وسألني عن مهنتي، فأجبت بأنني موظف قطاع خاص، وأعاد السؤال فأعدت الإجابة، محاسب في شركة قطاع خاص، ثم تساءل: أنت صحفي؟! فقلت له نعم، صحفي في موقع خبرني.
في لحظتها، تأكدتُ من أن حبل الكذب قصير فعلا!
ثم طلب مني التوجه إلى الكاونتر المجاور، وبعد حوالي ربع ساعة من الوقوف والتساؤل والاتصالات، نادى علي نفس الضابط، وختم الجواز، وقال: "خبرني" شو بيصير معك، قالها وهو يبتسم، فشكرته وتوجهت إلى الحافلة.
في الحدود الأردنية استقبلنا موظفو ختم الجوازات بترحاب، وبذل موظفو الجمارك جهودا كبيرة في التفتيش، أما رجال الأمن العام، فقد نزعوا "كشرة الأردنيين"، ومازحوا الركاب وداعبوا الأطفال، لنتحرك بعدها إلى منطقة العبدلي، ونصل بعد رحلة امتدت لثماني ساعات ونصف.
في رحلتي الذهاب والعودة كان المركزان الحدوديان في جابر ونصيب ممتلئين بالمسافرين، ممن يسابقون الزمن لمواكبة دوام مركز حدود جابر (من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء).
أعيد إجابة السؤال عن درجة الأمن في الرحلة البريّة من واقع تجربتي الشخصية، فأقول، نعم آمنة وآمنة جدا، ولكنها متعبة!
لذا، ودون احتساب الكلف الأمنية التي قد تترتب على ذلك، أتمنى تمديد ساعات الدوام في مركز حدود جابر، لتلبية لهفة الراغبين بقضاء إجازة خارجية، بتكاليف معقولة، وفي بلد مجاور وآمن وشعبه مضياف كسورية، وبدرجات تعب محتملة.