العين الهندي يكتب : صرخة جلالة الملك المُدوّية تضع النقاط على الحروف

{title}
صوت الحق -
العين عبدالحكيم محمود الهندي
مرة أخرى، من مرات عديدة، يعود جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، إلى التذكير بأن دوامة العنف ليس لها من سبب سوى غياب العدالة.
ليس هذا فحسب، بل إن جلالته وضع اصبعه على جرح "العالم" حين قارن، في خطابه أمام قمة السلام التي استضافتها جمهورية مصر العربية، بين عالمين، أحدهما "تقوم له الدنيا ولا تقعد" إذا ما واجه عدواناً أو حُرِم من ماء أو غداء أو ماء، فيما العالم الآخر لا يسأل عنه "سائل" إذا ما غابت عنه أقل مقتضيات الإنسانية.
وحتى في حقوق الإنسان، فقد قال الملك، وبملئ الفم، بأن هناك ازدواجية في المعايير، فهل تُطبّق كل معايير حقوق الإنسان على المواطن الفلسطيني؟!
من هنا دخل الملك عبدالله الثاني الى صلب الحقيقة وهو يتحدث عن الدمار والخراب والقتل اليومي الذي تعيشه عائلات وأُسرٌ، بل وشعب كامل في قطاع غزة "المكلوم" الجريح.
وفي الأثناء، ذكّر جلالة الملك العالم، بعدل الإسلام والمسلمين حين تحدث عن العهدة العمرية، فالخليفة الإسلامي العادل، عمر بن الخطاب، ألزم جيشه، حين دخل القدس فاتحاً، بعدم قتل طفل ولا امرأة ولا عجوزاً، ولا حتى قطع شجرة، ذلك أن دين الإسلام، يقوم على العدل والعدالة لا سيما إن كنت أنت القوي، فأين هذا مما يجري في غزة .. يتساءل الملك.
وفي النطق السامي، حث الملك العالم على البحث أولاً عن السلام، فهي فرصة تاريخية لأن يعيش شعبين بأمان وأمان في بلاد "الأنبياء" والمقدسات، لكن شريطة أن لا تقوم دولة على الأمن فقط، قبل أن تقوم على العدل، وهنا عرّى الملك عبدالله الثاني دولة الاحتلال حين ذكّر بأن المتشددين فيها، والذين يمسكون بزمام السلطة والقرار، هم المسؤولين أولاً عن كل هذا العنف الذي يدور، فهم من مارسوا التنكيل بالشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية، عبر عشرات السنين، وهم من قطعوا عنه كل مسببات الحياة، فهل بعد هذا من ظلم أكبر؟!
بنبرة لا تخلو الغضب، وضع الملك العالم أمام مسؤولياته القانونية والإنسانية، وحتى الدينية، فما يجري في قطاع غزة من هدم للكنائس والمساجد، ومن قصف للمستشفيات، لم يعد بالإمكان بعد كل ذلك السكوت عنه، أو حتى قول نصف الحقيقة من على منابر الدنيا كلها، فالعالم هب عن بكرة أبيه غير مكترث بكل محاولات تزوير الحقائق حتى لما يجري على الأرض وأثناء العدوان، فتلك كانت "صرخة ملك" ليصحو العالم من سباته، وينتبه الى مدى الوحشية التي تمارسها دولة الاحتلال بحق شعب أعزل، كما مارست من قبل كل ما من شأنه أن يُقوّض عملية السلام وأن يجعل المنطقة دائما على فوهة بارود.
الملك، وفي نظرة الى المستقبل، حذر من أن يكون العمل على حل مرحلي ثم "ندير الظهر للمنطقة"، فالمطلوب أن نعود الى كل قرارات الشرعية الدولية، وأن يتم العمل، الآن وليس غداً، على إرغام دولة الاحتلال أن تعترف بدولة فلسطينية يعيش فيها شعبها بأمن وأمان، وإلا، ومن غير تحقيق هذا، فإن دوامة العنف ستعود مرات ومرات.
هذه "صرخة ملك" أطلقها ملك عربي هاشمي يحمل في قلبه حب السلام، وأمنيات العيش بأمان لكل من دب على وجه هذه البسيطة، فهل يسمع العالم، وهل يتعظ؟
قبل أن يجيب العالم على هذا السؤال، يكفي أن نقول إن الشعب الأردني، وبعد لحظات من إنهاء الملك لخطابه في قمة السلام بالقاهرة، هبّ عن بكرة أبيه ليؤيد كل حرف في خطاب الملك، وليؤكد بأن هذا الشعب، بقضه وقضيضه، يسير وراء هذه الحِكمة التي تملّكّها الملك في قلبه وضميره.