موازين القوى المتغيرة : أبعاد السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط

{title}
صوت الحق -

 *بقلم الدكتور نعيم الملكاوي* 
باحث في الشأن الإقليمي 

تتعرض منطقة الشرق الأوسط الى تداخلٓٓ معقدًا لمصالح القوى الاقليمية والدولية ، حيث تشهد تنافساً محتدماً بين عدة مشاريع ، تتميز كل منها بأجندتها وأهدافها الاستراتيجية . 
في هذا السياق ، تبرز بشكل لافت المشاريع الإيرانية ، التركية  و"الإسرائيلية" ، وذلك في ظل غياب مشروع عربي موحد وفاعل يحمي المنطقة ويدفع عنها مطامع الاخرين .

 *المشروع الإيراني : بين الترسيخ والتحدي* 
إيران ، منذ  نجاح الثورة الإسلامية فيها عام 1979 تسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي ، داعمةً الحكومات والجماعات الشيعية في المنطقة . تركز طهران على بناء شبكة من الحلفاء الإقليميين من خلال المد المذهبي والدعم المادي بمزيج من الأيديولوجيا الدينية والرؤى الاستراتيجية ، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن ، بالإضافة إلى توسيع نفوذها في العراق وسوريا من خلال إذرع ووكلاء محليين حتى ان الحال وصل بها الى بعض الدول الافريقية  . هذا التمدد يثير قلق العديد من دول المنطقة وبالذات دول الخليج العربي ويعكس رغبة إيران في تشكيل معادلة القوة الإقليمية خاصةً في ظل التقارب الأخير مع السعودية . 
تواجه إيران تحديات أمنية مع الدول السنية ، وتشكل تهديداً للمصالح الأمريكية و"الإسرائيلية" في المنطقة ، بالإضافة إلى تأثير العقوبات الاقتصادية طويلة الأمد على اقتصادها .

 *المشروع التركي : النفوذ الاقتصادي ، السياسي والدبلوماسي* 
تركيا ، بعد تولي حزب العدالة والتنمية تشكيل الحكومات في تركيا عام 2002  دأبت تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان ، تنفيذ استراتيجية متعددة الأبعاد تجمع بين القوة العسكرية ، التوسع الاقتصادي والدبلوماسي . تسعى أنقرة للتأثير في كل من سوريا ، العراق وليبيا ، محافظةً على علاقات جيدة مع الدول العربية متجاوزة بعض المواقف التي قد تعيق مشروعها . تدعم تركيا أيضًا القضية الفلسطينية كجزء من سياستها الخارجية ، محاولةً تأكيد دورها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط . هذه الاستراتيجية تعكس رغبة تركيا الجامحة في أن تكون بوابة إلزامية للمصالح الدولية في المنطقة ، متسلحة بشراكتها الإستراتيجية مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والبعد الديني التاريخي بعد ان وصلت بها القناعة ان مشروع الحلم التركي في دخول المنظومة الاوروبية بكامل عضويتها يكاد يكون مستحيلاً عليها . 

 *المشروع "الإسرائيلي": بين التطبيع والتحالفات الجديدة* 
"إسرائيل" من جانبها ، تسعى لتعزيز أمنها القومي ونفوذها الإقليمي في المنطقة من خلال تنفيذها مشروعاً استراتيجياً يشمل توسيع النفوذ السياسي والعسكري الذي يشكل جزءاً مهماً من الديناميكيات الإقليمية مع التحديات والتوجهات الجديدة مركزة بشكل خاص على علاقات التطبيع مع الدول العربية من خلال اتفاقيات أبراهام ، هذه الاتفاقيات ، التي شملت الإمارات والبحرين وغيرهما ، تمثل تحولاً كبيراً في استراتيجية السياسة الإقليمية ، في ظل المواجهة المستمرة مع الفلسطينيين باتباع سياسة القبضة الحديدية الدافعة الى التهجير والاستيطان واخرها العدوان الغاشم على غزة وارتفاع وتيرة التصعيد في مناطق الضفة الغربية . حيث تعمل على محاولة انهاء المقاومة الفلسطينية وبناء تحالفات جديدة تعتمد على المصالح المشتركة في خدمة مشروعها بإقامة " *دولة الحلم الكبرى* " من ناحية ومواجهة المد الإيراني من ناحية اخرى .
ومن الجدير بالذكر وبمنأى عن المشروع "الإسرائيلي" فالعلاقات الإيرانية التركية تتسم بالتعقيد . فمن جهة نرى تنافساً على النفوذ الإقليمي ، ومن جهة أخرى يوجد تعاون اقتصادي وتجاري واضح بينهما . هذا التوازن الدقيق يعكس الواقع الجيوسياسي المعقد ، يبرز تقاطعات تتسم بالتنافسية بينهما في سوريا ، العراق وفلسطين ، نرى الاستفراد الايراني في اليمن ولبنان ، حيث يسعى كل من البلدين للعب دوراً محورياً في الشرق لتحقيق أهدافه . 

 *التقارب الإيراني - السعودي : تحول استراتيجي في خارطة الإقليم الجيوسياسية* 
يمثل التقارب الأخير بين السعودية وإيران تحولاً مهماً ويفتح الباب لتخفيف التوترالتاريخي لتعاون إقليمي أوسع . هذا التطور يعد تغيراً كبيراً في العلاقات الإقليمية وعملية خلط للأوراق امام أصحاب المشاريع و الاجندات الأخرى ويمكن أن يؤثر بشكل مباشر على النزاعات المستمرة في المنطقة ان حسُن استثماره . 
الغياب الملحوظ للمشروع العربي
في ظل هذه التحولات ، يبرز امام المشهد غياب المشروع العربي الموحد ، حيث تواجه الدول العربية تحديات داخلية وأمنية تحول دون تبني رؤية مشتركة تستجيب للتحديات الجيوسياسية الراهنة لترتقي الى مستوى مشروع عربي يشكل كتلة اقتصادية ، بشرية وعسكرية تبسط هيمنتها على الاقليم لردع التجاذبات المنفردة عليها  .
 
 
ونخلص القول ان الشــرق الأوســط يعتبر منطقة جذب للتنافس الإقليمي والدولي المعقد عليه ، يشهد تحولات تؤثر على مستقبله السياسي والأمني . فالمشاريع الإيرانية ، التركية ، و"الإسرائيلية" تلعب أدواراً محورية في هذه التحولات ، وتسعى كلٌ منها لتحقيق أهدافها في منطقة تشهد تغيرات وتحديات ديناميكية مستمرة .
ولو اردنا تقييم إمكانية تحقيق اي من هذه المشاريع الثلاثة – الإيرانية ، التركية ، و"الإسرائيلية" - بما في ذلك الظروف الجيوسياسية ، التوازنات الإقليمية ، والتحالفات الدولية . نستنتج ان كل مشروع لديه جوانب قابلة للتحقيق وتحديات تعترض تنفيذه بشكل كامل . 
المشروع الإيراني والتركي يتمتعان بدعم قوي وتقدم واضح على الأرض ، لكنهما يواجهان معارضة دولية وإقليمية . ام المشروع "الإسرائيلي"  من جانبه يتقدم في جانب التطبيع مع بعض الدول العربية ، لكنه يواجه تحديات كبيرة في الجوانب الأمنية والسياسية والشعبية . 
فالواقع الجيوسياسي للشرق الأوسط يجعل تحقيق أي من هذه المشاريع بشكل كامل أمرًا معقدًا ويتطلب توازنًا دقيقًا بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة .