هل تحقق هدف رؤية التحديث الاقتصادي باستحداث 96 ألف فرصة عمل لعام 2024؟

صوت الحق -
بقلم: المحامي حماده أبو نجمة
تشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة إلى أن عدد فرص العمل المستحدثة لعام 2024 بلغ 96,421 فرصة عمل، وهو رقم يعتبر مرتفعا مقارنة بما كان عليه الحال قبل جائحة كورونا ويقترب من الهدف الذي حددته رؤية التحديث الاقتصادي والمتمثل بتوفير 100 ألف فرصة عمل سنويا.
لكن من المفيد أن نضع هذا الرقم في سياقه الزمني، ففي عام 2023 تم استحداث 95,342 فرصة عمل، وفي عام 2022 بلغ عدد الفرص المستحدثة 89,504، ما يعني أن سوق العمل الأردني شهد خلال ثلاث سنوات متتالية استحداث ما يزيد على 281 ألف وظيفة، ومع ذلك لم نشهد انخفاضا ملموسا في معدل البطالة الذي استقر عند 21.4% في نهاية 2024، بعد أن بلغ 22% في 2023، و22.8% في 2022.
وبالرجوع إلى العدد المطلق للمتعطلين عن العمل نلاحظ أن الأرقام تعكس اتجاها تصاعديا، ففي عام 2019 (قبل الجائحة) كان عدد المتعطلين 324,282، ثم ارتفع إلى 419,837 في 2022، و418,365 في 2023، ووصل إلى 429,682 في عام 2024، أي أن عدد المتعطلين عن العمل اليوم يفوق ما كان عليه قبل الجائحة بأكثر من 100 ألف متعطل رغم ما تم تحقيقه من نمو في أعداد الوظائف.
وعند الحديث عن هذا الحجم من التشغيل الذي يناهز ربع مليون فرصة خلال ثلاث سنوات فإن المنطق الاقتصادي يفترض أن يكون قد جاء نتيجة نمو اقتصادي قوي واستثنائي أدى إلى توسع في الأنشطة الإنتاجية ومن ثم وفر هذه الفرص، لكن الواقع يشير إلى أن معدل النمو الاقتصادي وكما هو معروف بقي مستقرا منذ سنوات ما بين 2% و2.5%، وهو معدل محدود لا يرتقي إلى مستوى النمو المطلوب لتوليد هذا الكم الكبير من فرص العمل.
في المقابل، فإن استحداث هذا العدد من الوظائف حتى لو لم يكن نتاج نمو كبير كان يفترض أن يسهم بدوره في تحفيز النمو الاقتصادي نفسه من خلال رفع الإنتاجية وزيادة الإنفاق وتنشيط الطلب المحلي، إلا أن ذلك لم يحدث أيضا، وهذا يفتح الباب لتساؤل مشروع، إذا لم تكن هذه الوظائف نتيجة لنمو اقتصادي قوي ولم تؤد إلى تحفيزه فما طبيعتها؟ وما مدى استدامتها وأثرها الفعلي؟
كما أن ملاحظة تطور فرص العمل المستحدثة تظهر بوضوح أن الارتفاع بدأ منذ عام 2021 بعد أن كان عدد الوظائف المستحدثة في 2018 و2019 لا يتجاوز 40 ألفا سنويا، أما في عام 2020 فقد شهد الاقتصاد الأردني فقدان نحو 191 ألف وظيفة نتيجة آثار الجائحة، الأمر الذي يوحي بأن الزيادة في أعداد الفرص منذ 2021 وحتى 2024 ترتبط بشكل مباشر بمرحلة التعافي من آثار الجائحة وليس بتحول هيكلي في الاقتصاد أو قفزة في الاستثمار.
من هنا تبرز الحاجة إلى دراسة علمية متكاملة لتحليل هذا الواقع وتفسيره لا بهدف النقد بل لتحديد العوامل التي تؤثر في العلاقة بين التوظيف والبطالة والنمو وفهم لماذا لم تنعكس هذه الفرص بعد على تقليص عدد المتعطلين أو على تعزيز الناتج المحلي، فقد تكون الوظائف المستحدثة قصيرة الأجل أو منخفضة الأجر أو مركزة في قطاعات لا تضيف قيمة اقتصادية كبيرة أو لا تلبي خصائص الداخلين الجدد إلى السوق.
إن ما نحتاجه هو تحليل علمي معمق يربط بين فرص العمل المستحدثة ومعدل البطالة ومخرجات التعليم والتدريب وهيكل الاقتصاد الوطني، فبهذا الفهم المتكامل فقط يمكننا صياغة سياسات سوق عمل أكثر استجابة للواقع وأكثر قدرة على تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي.