دعوى محكمة العدل الدولية وجرائم اسرائيل الإستعمارية, هل من جدوى؟
صوت الحق -
بعد ان قدمت دولة جنوب افريقيا طلباً الى محكمة العدل الدولية لإقامة دعوى ضد كيان اسرائيل الصهيوني مصحوباً بأتخاذ تدابير مؤقتة ضدها لمنع جريمة الإبادة الجماعية المحتمل بأن اسرائيل قد ارتكبتها ضد الفلسطينين المحاصرين تحت القصف في غزة, والتي سوف تعقد أولى جلساتها بشكل مستعجل يوم الخميس القادم 11 يناير 2024 ,وهنا يثور السؤال حول ما مدى فعالية قرارات محكمة العدل الدولية اذا ما اتخذت قراراً يدين اسرائيل بأرتكابها هذه الجرائم .
اختصاص محكمة العدل الدولية.
ان محكمة العدل الدولية كما نعلم هي محكمة دول وليست محكمة افراد, بمعنى اخر ان الدعاوى التي تقام امامها تكون اطرافها دول فقط, ويتجلى اختصاص محكمة العدل الدولية في جريمة الابادة الجماعية من خلال "اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية" وهي معاهدة اعتمدتها بالإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1948, ودخلت حيز التنفيذ عام 1951, ومصادق عليها من 152 دولة عضواً في الامم المتحدة, وتنص هذه الاتفاقية في المادة التاسعة منها: تعرض على محكمة العدل الدولية، بناءً على طلب أي من الأطراف المتنازعة، النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تفسير أو تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية، بما في ذلك النزاعات المتصلة بمسئولية دولة ما عن إبادة جماعية أو عن أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة.
ويذكر ايضاً ان كيان اسرائيل الصهيوني مصادق على هذه الاتفاقية, وهي التي بدورها تتيح لأي دولة مصادقة اخرى امكانية تقديم دعوى ضد دولة اخرى, حتى لو لم تتضرر منها هذه الدولة بشكل مباشر.
اركان الجريمة قائمة
تنص المادة الثانية من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية بما يلي: في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الج زئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:( أ ) قتل أعضاء من الجماعة, (ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة, ( ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً, ( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة, (هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
وتنص المــادة الثالثة على: يعاقب على الأفعال التالية :( أ ) الإبادة الجماعية, (ب) التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية, ( ج) التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية, ( د) محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية, (هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.
ومن خلال استعراض وثائق الدعوى نجد انها تتضمن حججاً ومرفقات تثبت جريمة الإبادة الجماعية, اضف الى ذلك ان تقارير وتوثيقات المنظمات الانسانية العاملة في مجال حقوق الانسان التابعة لهيئات الامم المتحدة تشير الى ذات الامر, وتأكيداً على ان اركان الجريمة قائمة من كافة النواحي, يمكن الاستعانة بتصريحات مسؤولي كيان اسرائيل الصهيوني حول نية الجيش ارتكاب ابادة جماعية في غزة, بالأضافة الى الشواهد المصورة والحاضرة على الأرض ايضاً.
إلزامية قرارات محكمة العدل الدولية
تنص المادة 94-1 من الفصل الرابع عشر من ميثاق الامم المتحدة على: يتعهد كل عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها.
ويدل هذا النص على الزامية قرارات محكمة العدل الدولية التي تصدر بحق عضو من اعضاء الامم المتحدة, وهذا يشير الى ان القرار الذي قد يصدر بأدانة دولة اسرائيل الاستعمارية بأرتكابها لجريمة الإبادة الجماعية, يعد تدبير قضائي يتمتع بالحجية القضائية والإلزامية وفق كافة المعايير الدولية والقانونية.
وحسب ما ورد في صحيفة يديعوت احرنوت العبرية, فإن خبراء في القانون الدولي اعتبروا ان الدعوى قد تعزز من التهمة المنسوبة للكيان الاسرائيلي الصهيوني بأرتكابها لجريمة الإبادة الجماعية, وبالتالي قد تؤدي الى عزلتها الدبلوماسية ومقاطعتها او فرض عقوبات عليها.
سوابق قضائية
لقد كان لمحكمة العدل الدولية العديد من السوابق القضائية في العديد من القضايا, اما بما يتعلق بالسوابق القضائية للدول التي ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية فنستذكر قضيتين مهمتين.
اولاً: البوسنة والهرسك ضد صربيا والجبل الأسود (يوغسلافيا الاتحادية)
في 20 مارس 1993 قامت دولة البوسنة والهرسك برفع دعوى امام محكمة العدل الدولية في مواجهة يوغسلافيا الاتحادية, تزعم بها انتهاك يوغسلافيا لإتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية, وقد قضت المحكمة في 26 فبراير 2007 ان الافعال التي ارتكبت في سريبرينيتشا تندرج ضمن المادة الثانية (أ) و (ب) من الإتفاقية قد ارتكبت بنية محددة لتدمير جزء من جماعة مسلمي البوسنة والهرسك على هذا النحو وبناء على ذلك كانت هذه اعمال ابادة جماعية, وقد انتهكت الاتفاقية بعدم تسليمها راتكو ملاديتش الذي صدر في حقه قرار اتهام بالإبادة الجماعية والمشاركة بها للمحاكمة امام المحكمة الجنائية الدولية.
ثانياً: غامبيا ضد ميانمار
رفعت غامبيا القضية امام محكمة العدل الدولية في نوفمبر 2019 بمواجهة ميانمار, مدعية ان جيش ميانمار قد ارتكب اعمال ابادة جماعية ضد السكان الروهينغا, ولم يصدر قرار بعد عن محكمة العدل الدولية بشأن هذه القضية, ولكن في 22 يوليو 2022 رفضت المحكمة اعتراضات ميانمار الأولية للطعن في اختصاص المحكمة والموقف القانوني لغامبيا لرفع القضية.
وفي النهاية ان القانون الدولي لن يحرر فلسطين ومحكمة العدل الدولية لن تخرج الإستعمار من ارض فلسطين, ولكن من الممكن ان يحقق القانون الدولي شيئاً من العدالة لأبناء فلسطين, وقد يكون جزء ايجابي ومهم من بداية تحريرها.
وتالياً وثائق الدعوى التي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا والواثق المتعلقة بالسوابق القضائية التي تم الإشارة لها: