مصير الدستور السوري: قراءة في الخيارات والاحتمالات
صوت الحق -
بقلم: أحمد الخوالدة
عند الحديث عن مصير الدستور السوري، تبرز تساؤلات ملحة حول مستقبله في ظل الثورة وما بعدها، خاصة في ظل ما شهده هذا الدستور من أدوار تاريخية مرتبطة بالنظام السياسي القائم.
الخيار الأول: سقوط الدستور تلقائياً
يميل فريق من الفقهاء إلى القول بأن انتصار الثورة يُسقط الدستور القائم فوراً وبشكل تلقائي، معتبرين أن الدستور يمثل الإطار القانوني للنظام القديم الذي فقد شرعيته بانتصار الثورة، وفقاً لهذا الرأي:
لا يتطلب سقوط الدستور أي إجراءات قانونية كتعديل مواده أو إلغائها رسميًا.
الثورة هنا تعني قطيعة كاملة مع النظام السابق، بما يشمل أُطره القانونية والدستورية، وهو ما يُملي ضرورة صياغة إطار جديد يعبر عن شرعية النظام السياسي الجديد.
الخيار الثاني: الإلغاء الجزئي للدستور
على الجانب الآخر، يرى فريق آخر أن الثورة لا تُسقط الدستور بشكل كامل، بل تؤدي فقط إلى إلغاء النصوص المرتبطة بالنظام السياسي الذي تم الإطاحة به، وفي هذا السياق:
تسقط النصوص التي تحدد شكل الحكومة وآليات الحكم وتُكرّس الهيمنة السياسية للنظام القديم.
تظل القوانين العادية كالقوانين المدنية، التجارية، سارية المفعول، باعتبارها تتعلق بحياة الأفراد اليومية ولا تتعارض مع أهداف الثورة.
هذه الرؤية تدعو إلى الحفاظ على الحد الأدنى من الاستمرارية القانونية لتجنب الفوضى القانونية والإدارية، إلى حين وضع دستور جديد يُعبّر عن الإرادة الشعبية.
المرحلة الانتقالية: النظام المؤقت بين الواقع والمأمول
في الفترة الفاصلة بين سقوط النظام القديم وإقرار دستور جديد، تظهر الحاجة إلى حكومة مؤقتة لإدارة شؤون الدولة وتنظيم المرحلة الانتقالية، هذه القوى الحكومة عادة ما تستمد شرعيتها من أحد مصدرين:
القوى الثورية: تتشكل الحكومة المؤقتة من القوى التي قادت الثورة، باعتبارها صاحبة الشرعية الثورية والممثلة لإرادة التغيير.
التوافق المجتمعي: قد تُشكَّل حكومة انتقالية من تحالف يضم ممثلين عن مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية لضمان تمثيل أوسع.
مهام الحكومة المؤقتة
إدارة مؤسسات الدولة: الحفاظ على الحد الأدنى من استمرارية الخدمات العامة وتجنب انهيار مؤسسات الدولة.
صياغة الإطار القانوني المؤقت: وضع إطار قانوني ينظم العملية الانتقالية، مع تحديد مدة زمنية واضحة.
تمهيد الطريق لإقرار دستور جديد: الإعداد لانتخاب هيئة تأسيسية تمثل الشعب، تكون مسؤولة عن صياغة دستور جديد يعكس تطلعات الثورة وقيمها.
الدستور الجديد: من التغيير إلى الاستقرار
إقرار دستور جديد يمثل النقطة الفاصلة في الانتقال من الثورة إلى الدولة. هذا الدستور يجب أن يُعبّر عن القيم التي حملتها الثورة، (العدالة، حقوق الإنسان، الديمقراطية).
مسار الحل: نحو عقد اجتماعي جديد
التوافق الوطني: نجاح أي دستور جديد يعتمد على تحقيق توافق وطني واسع يضم مختلف القوى السياسية والاجتماعية.
دور الهيئات الدولية: يمكن أن تلعب الأمم المتحدة أو غيرها من الهيئات دورًا في تسهيل الحوار وصياغة الدستور، مع ضمان احترام السيادة السورية.
التدرج في الإصلاح: الحفاظ على استمرارية مؤسسات الدولة وضمان عدم الانزلاق في فراغ قانوني أو إداري يهدد الأمن والاستقرار.
في النهاية، مصير الدستور السوري سيكون انعكاساً للإرادة الشعبية وما ستفرضه موازين القوى على الأرض، الثورة قدمت فرصة لإعادة تعريف العلاقة بين الشعب والدولة، والدستور الجديد سيكون الحجر الأساس لبناء هذه العلاقة على أسس جديدة تعكس تطلعات السوريين للحرية والكرامة والعدالة.