سقوط النظام وبداية التحول ..

{title}
صوت الحق -
بقلم: محمد الخضير
بعد أكثر من نصف قرن من الخوف والقمع والفساد ونهب مقدرات الحياة تحت وطأة الظلم، انهار نظام "المزرعة" بسرعة لم تترك للأسد فرصة لاحتواء خيبته وهزيمته. لقد كان واضحًا أن هذا النظام قد فرغ من مضمونه، ولم تعد قواعده تُؤمن به بعد فقدان داعميه، فجاءت سرعة السقوط كنتيجة للنضج الذي أظهره الثوار الذين استوعبوا بعمق دروس التجربتين العراقية والليبية، وانعكس ذلك في تصرفاتهم وخطابهم وسلوكهم.

يتطلب هذا السقوط الحاسم عملاً دؤوبًا للحفاظ على المؤسسات القائمة وبناء أخرى جديدة تضمن استقرار المرحلة الانتقالية، والتي تتطلب إنشاء مؤسسات انتقالية، كـ"جمعية وطنية"، تحمل رؤى إصلاحية ترتكز على المواطنة والمساواة للجميع، بعيدًا عن المحاصصة الطائفية أو العرقية ، الهدف هو الخروج من صراعات الهويات إلى وحدة وطنية، شعب واحد موحد تحت مظلة المواطنة وسيادة القانون.
وفي نفس السياق ، الحفاظ على استقرار الدولة يتطلب صون الجيش الوطني باعتباره أهم مؤسسة وطنية، ومع ما لحق ببنيته من تشوهات، إلا أنّ ضرورة تقليمه من حالة التمركز الهرميّ للسلطة الطائفية والفساد لا تعني اقتلاعه، بل إعادة بنائه على أسس وطنية. فقد جعلت الخدمة الإلزامية منه مؤسسة ذات طابع وطني، وفي المقابل من الضروري أيضاً دمج الثوار ضمن بنيته لضمان تماسكه وتجديده، وتوحيد حمل السلاح في يد الدولة.
وأرى هنأ من  الضرورة الشروع ببدء تنفيذ عدالة انتقالية تعالج الإرث الثقيل من القمع والفساد، ومن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة كـ"صيدنايا"، تتضمن هذه العدالة تدابير الملاحقات القضائية، وبرامج جبر الضرر والمحاسبة العادلة، لتُؤسس أرضية خصبة للمصالحة والاندماج الوطني في مسار التحديات القادمة.
يصحب كل ذلك خطوات واضحة نحو بناء دولة مدنية تؤسس للوحدة الوطنية كما يجب أن تكون هذه الدولة بعيدة عن المحاصصة وأي تدخلات خارجية في إعادة بنائها للنظام السياسي 
كما وإنّ عملية التحول إلى نظام سياسي جديد تتطلّب رؤية استراتيجيةً، وشجاعةً في اتخاذ القرارات، ويجب أن تتركّز الجهود على بناء مؤسسات قوية وشاملة ،
 وفي الإطار ذاته من الطبيعي بروز عقبات وتحديات ، نظرًا لمقتضيات التغيرات الكبرى، التي تشهدها فترات ما بعد سقوط نظام شمولي، كالنظام الأسدي، من اضطرابات وحالات من عدم الاستقرار، ومخاوف حدوث ثور مضادة ، وما يرافق ذلك من اختلافات حادة وتباين في آراء الناس حول بعض القضايا العامة وتضارب للمصالح خلال هذه المرحلة، ولكن من الضروري تجاوز ذلك بوعيٍ لخطورة المرحلة، والسعي بروح وطنية عالية نحو تنازلاتٍ تفضي إلى توافقاتٍ تحتاجها المرحلة وتقتضيها تعقيداتها، وتفويت فرصة الفوضى بحدوث فراغ سياسي 
 فالمستقبل القادم  يعتمد بشكل أساسي على قدرة القوى الحية للمجتع السوري بمختلف تكويناته على اعلاء المصلحة الوطنية، وتجاوز  صراعات الماضي وجراحه،  ولنا في تجربة روندا انموذج يحتذى به في بناء دولة حديثة تلبي طموحات الشعب وتكنس من ذاكرتهم نصف قرن من الحياة المنهوبة في المنافي وفي اقبية السجون وزنازن الهلع وغرف الملح
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS