هل فقدنا هويتنا تحت ثقل الثقافات الوافدة؟

{title}
صوت الحق -
بقلم: محمد الخضير 
تُعد المسألة الثقافية من أهم الوظائف التي تضطلع بها النظم السياسية، حيث انها تمتلك دورًا عميقًا فاعلاً مؤثراً في قيادة التوجهات العامة للمجتمع حول السلطة وشرعيتها 
فالثقافة تمثل منجزًا تاريخياً يعبر عن شرعية التاريخ والجغرافيا، ومسارًا للإسهامات المتراكمة للإنسان في تفاعله مع بيئته والآخرين ، إضافة إلى تفسيره للواقع وصياغته له ولأدواته التي تعبر عن زمنه وتطلعاته المستقبلية ،  إن إغفال دور الثقافة وإهمال ديمومة نتاجها المعرفي والفني يؤدي إلى ضمورها، مما يضعف مناعتها أمام تأثير الثقافات الأخرى، ويحد من قدرتها على الارتقاء بالمجتمع وترسيخ هويته الوطنية واستمرارية نمائها .

تأتي الدراما في مقدمة الأدوات الثقافية الأكثر قدرة على التأثير في الوجدان الاجتماعي، لما لها من قدرة على تخليد الزمن بأبعاده في ذاكرة الأفراد ، عبر تقديم الإرث والأدب والتاريخ بأساليب تجمع بين الإبداع والتأثير العاطفي ، وقد أصبحت الدراما وسيلة فعّالة في تصدير القيم الثقافية وتعريف العالم بالتاريخ الوطني، كما هو الحال في العديد من الدول التي نجحت في الاستفادة من الورقة الثقافية لتعزيز حضورها الدولي.
ينعكس هذا التأثير في مجالات عديدة، مثل انتشار اللهجات، والموسيقى، والعادات والتقاليد، إلى جانب تقديم سرديات تستند إلى إرث ثقافي غني يُشكِّل مصدر قوة وهوية للمجتمعات. ويظهر ذلك بوضوح في تأثير العولمة على الدراما والسينما، ودورهما كأدوات ثقافية تعزز القوة الناعمة.
إن إهمال العناية بالثقافة الوطنية وعدم تأصيلها والحفاظ على تطورها يؤدي إلى إفراغ الساحة أمام هيمنة ثقافات وعقائد دخيلة تسعى إلى طمس كل ما هو وطني. هذه الهيمنة تستغل غياب المشروع الثقافي لتقديم سرديات بديلة تهدف إلى زعزعة الثقة بالموروث الوطني وتذويب القيم الفاعلة لصالح أطراف تسعى لتحقيق أهداف عقائدية أو سياسية تخدم أجنداتها الخاصة.
يساهم هذا الإهمال، إلى جانب صمت بعض المثقفين أو خشيتهم من مواجهة قوى الهيمنة، في تعميق الأزمة. فقد يعتقد البعض أن مواجهة هذه التحديات تفوق قدرات الأفراد، خاصةً في ظل وجود قوى اقتصادية وإعلامية داعمة لهذه التوجهات، مقابل فقر واضح في الموارد المخصصة لتأصيل الثقافة الوطنية، مقارنةً بالدعم الكبير الموجَّه لمشاريع التحوير والطمس.
ويزداد الوضع سوءًا بسبب نفور بعض الطبقات المؤثرة من تأصيل الثقافة الوطنية، حيث ترى هذه الطبقات أن التماهي مع رياح الهيمنة يضمن لها ديمومة البقاء في دائرة الأضواء المسرحية، متجاهلة السياق التاريخي لسقوط القوى الثقافية التي تخلت عن جذورها وانبهرت بالآخر.
لذلك، فإن الاهتمام بتأصيل الثقافة الوطنية وتعزيزها يجب أن يكون أولوية وجودية لأي نظام سياسي، لحماية الهوية الوطنية من التهديدات الداخلية والخارجية. وهذا يتطلب وضع سياسات ثقافية تدعم الإنتاج الفني والمعرفي، وتحفز على استدامة القيم الوطنية، وتوفر للأجيال القادمة إرثًا ثقافيًا غنيًا قادرًا على مواجهة تحديات العصر .
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS