(دولة داخل الدولة) صمت الأغلبية كلام القلة

{title}
صوت الحق -
بقلم: د محمد العزة 

تحظى قضايا أمن الدولة الأردنية خصوصا تلك المتعلقة  بالتخطيط لاستهداف أمن الوطن الاردني و استقراره الداخلي ،  باهتمام شعبنا الاردني العظيم لأنه وطن دم و ارجوان ، لتتحول الى قضية رأي عام ، تثار فيها الاسئلة و التحليلات و المتابعة الحثيثة عن كثب للاطلاع على تفاصيل تلك القضية ، لا من باب الفضول العابر و لا من باب التسلية للقضاء على الفراغ أو قتل الملل، بل من دافع  الإحساس الوطني الصادق و الانتماء العميق للوطن الاردني ، حيث لاخيار الا الاصطفاف معه وفي خندقه سدا منيعا نذود عن ثراه دفاعا عن سيادته و ثوابته و قضاياه الوطنية و العربية و في مقدمتها القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمن القومي الوطني الاردني و العربي.
    قضية (خلية ال 16) التابعة أو المرتبطة بتنظيم الإخوان كما جاء في  اعترافات الضالعين فيها و التعريف بانتمائهم التنظيمي و الحزبي ، أظهرت للعلن  قناعة أن هذا التنظيم يضم في ثنايا جوانبه بل هناك في الأعماق ما يسمى  ( التنظيم السري ) ، اركان هذه القناعة رسختها ثلاث بنود :
1.تفاصيل الاعترافات التي ذكرها الضالعين ال 16  بأن العمل كان ضمن مجموعات منفصلة معزولة  لا تعرف بعضها البعض.
2.  بيان التنظيم المحظور قضائيا و قانونيا و الحزب السياسي الذي يمثله رسميا ، جاء فيه أن المخطط الإجرامي تم ضمن إطار  العمل الفردي و لا يمت بصلة للتنظيم أو الحزب .
3. التصريحات السياسية من نواب و المواقع الإخبارية و الأقلام  التابعة له و الداعمة له  ، أكدت صحة الإنكار في البيان  وأنه كان يستهدف أهدافا خارج حدود الدولة .
ثلاث بنود حولت الشك الى  يقين لدى أغلبية الشعب الاردني الصامتة بوجود تنظيم سري و ذراع عسكري لتلك الجماعة  منفصلا يعمل بشكل مستقل عن الهيكل  التنظيمي و السياسي الظاهر .
تاريخ  الدولة الأردنية مع التنظيمات السرية له سجل و ارشيف و ليس جديد من أبرز محطاته ستينات و سبعينات و ثمانينيات القرن الماضي حيث كان اليسار الاردني بكافة تنظيماته و أحزابه  و اذرعه العسكرية التي ضمت من جميع أطياف الشعبي الاردني الفكرية و العشائرية  منخرطة بالعمل الفدائي المسلح ، و هو ما  أدخل الدولة الأردنية بحرب و معركة الكرامة عام 68 و كانت شراكة في الفداء و التضحية و الشهداء  ، بالرغم من ضعف الإمكانيات و عدم إقامة الحسابات المسبقة و خروج الجيش الأردني من اثقال و اوزار حمولة النكسة العربية 67 ، لاحقا و جراء تجاوزات خطيره في نهج ذلك اليسار و الانقسامات الحادة في اوساطه و استهداف نشاطه الداخل الاردني في محاكاة نموذج الدولة داخل الدولة وقع الصدام المحتوم ، و تم إنهاء تواجده و حظر نشاطه ، ليعود لاحقا لكن تحت مظلة السيادة و القوانين الأردنية الناظمة للممارسة الحزبية على الساحة السياسية.
الدولة الأردنية كفلت حرية  النشاط السياسي قانونا و دستوراً لكل مؤسسة حزبية اردنية مرخصة ضمن تعليمات و  تشريعات محددة لا يجوز تجاوزها ، و في الرجوع إلى تقييم و تحليل السلوك السياسي للحزب المرخص موضوع هذا المقال ، سنجد أنه تراجع  لحساب إبراز تنظيمه المحظور، حتى يكاد لا وجود له حتى بالحد الأدنى و الاكتفاء بحصر نشاطه على إصدار البيانات ،  تاركا التنظيم المحظور و مراقبه و مرشده العام  في تصدر الواجهة السياسية ، و اختيار الملفات المراد التعامل معها وهذا ما أضعف الاشتباك  المباشر للحزب مع ملفات الوطن الأردني اليومية التي هي تكليف لاي حزب سياسي و واجب عليه  ولا يجب إهمالها ، لينعكس هذا التراجع و الضعف الحزبي على الأداء النيابي لافراده داخل مجلس النواب الذين  تبنوا عناوين هامشية و افتعال الصدامات و احتدام النقاشات  مع الحكومة بلا جدوى ، في أداء اثار الاستهجان و الريبة لدى  الشارع صنفه في خانة الالهاء أو محاولة أبعاد الأنظار عن نشاط يدبر في الخفاء هم على دراية به.
 تسهيلات كبيرة قدمتها الدولة الأردنية لهذا التنظيم من فرص و مساحة لممارسة نشاطات متنوعة مابين الدينية و السياسية و التجارية و الأخيرة وفرت له موازنة بمليارات الدولارات ، جعلته يظن انه كيان مواز يمكنه التصرف و سلوك نموذج الدولة داخل الدولة ، عزز هذا الشعور نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة التي قدمت صك الشرعية  للتنظيم و قاده وهم زائف في ادعاء الوصاية على الأغلبية الشعبية الصامتة و هذا غير صحيح ، الحقيقة هي أقلية ضللت الشارع عبر استغلال أدوات العاطفة الدينية التي ارتفع منسوبها لا سيما مع تصاعد العدوان على غزة  ، وكأننا أمام إعادة لتكرار سيناريو لاحداث الماضي لكن هذه المرة يقودها اليمين السياسي الأردني .
محاولات متكررة لنصح هذا التنظيم فشلت لم تنجح ، بل اتضح ان هناك صراع  تيارات داخل ذلك التنظيم ، حسمه فريق التصعيد و التأزيم و الارتهان للخارج و الأنا دون الأخذ بعين الاعتبار لابعاد تعقيدات الحالة السياسية الراهنة و ظروفها الموضوعية خارجيا و داخليا و المتغيرات المتسارعة الضاغطة على الجغرافيا و الديمغرافيا التي تشكل تهديدات فعلية تتطلب ادوات خاصة و عقلية متزنة هادئة لا تتعامل مع الاحداث بناءا على نمطية الرد عليها في سياق رد الفعل.
الاردن القوي مصلحة وطنية و قومية كبرى للشعب الاردني و للقضية الفلسطينية ، أما حالة التصعيد العشوائية و محاولات اظهار الندية و التمادي نحو انتهاج سلوك التنظيمات السرية ستؤدي إلى ظاهرة الاصطفافات و تغذي الخلافات في الرأي و الانقسام و التشظي و لن تؤذي الا أفرادها.
ختاما الدولة الأردنية استنادا إلى خبرتها وتجربتها الطويلة وما عرف عنها من نهج مهني مؤسسي في التعامل مع هكذا احداث و أزمات و منعا لتكرار سيناريوهات الماضي عقدت عزمها و حسمت أمورها تجاه  هذا الملف بأنه لا دولة داخل الدولة ، واي محاولة للتعدي أو الأضرار بسيادتها وأمنها و استقرارها لن يقابل الا بالتصدي بكل إصرار و حزم ليبقى الوطن الاردني العظيم قويا منيعا عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS