د. زياد الشخانبة يكتب : طوفان التضليل المعلوماتي وحماية الوعي العام

{title}
صوت الحق -
د. زياد الشخانبة

يلعب ما يُسمى بـ "التحيّز النفسي" دوراً محورياً في قابلية الأفراد لتصديق المعلومات، وكلما كانت الجماعة أكثر انغلاقاً أيديولوجياً، زادت احتمالية تصديق ما يدعم معتقداتها ورفض ما يعارضها، بغضّ النظر عن دقة المعلومات، كما أن الانحياز السياسي والمناطقي والأصطفافي، يتفوق على الحقائق ويصبح الأفراد عُرضة لتداول الأخبار التي تخدم سرديتهم الخاصة.

قبل الحرب الدائرة اليوم بين إيران والكيان المحتل، أي في الماضي القريب، كنّا نعتبر قلّة وعي الأفراد في تعاملهم مع المعلومات هو سببٌ رئيسي في صناعة التضليل وتداول الأخبار الزائفة ونشر الشائعات والفيديو والصور المفبركة.

لكن وخلال أسبوع الحرب، والبحث في المعلومات المضللة وناشروها، تبيّن أن التناحر بين الأفراد واختلافهم بالرأي والموقف السياسي كشف عن مفهومٍ جديد هو : " وجود شريحة واسعة من الأفراد الذين ينشطون في التواصل الاجتماعي في المنطقة كلها، لا يعنيهم صدقية المعلومة بقدر اهتمامهم بمدى مناسبتها لمواقفهم مع أم ضد.

كما ينكشف لنا أيضاً وجود علاقة نفسية بين حب التضليل وبين تعزيز الموقف الشخصي من خلال التضليل"، وهذا يفتح باباً جديداً أمام الباحثين لدراسة الأسباب النفسية والسياسية التي تجعل الأفراد ينشرون ويروّجون معلومات بمجرد أنها ضد طرف ما، بل أنني شخصياً شاهدت أفراداً على مستوى من الوعي ينشرون الصور والفيديو المفبرك بسبب حالة عاطفية وانحياز ما لديهم، دون اكتراث بمدى حقيقة ما نشروه .

وبالتزامن مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على إيران، انتشرت مقاطع كثيرة كإسقاط طائرات أو تدمير أنظمة دفاعية أو التصدّي لصواريخ أو قصف جوي وأرضي أو حرائق أو مسيرات وغيرها، تبيَّن لاحقاً أن كثيراً منها قديمة أو محرّفة رقمياً أو جرى إخراجها من سياقها أو نُسبت إلى جهات ما لإضافة صدقيّة لها. وفي هذا السياق، لا تنحصر المشكلة في من يصنع المحتوى، بل تمتد إلى من يروّجه ويصدّقه، مدفوعاً بانحياز سياسي أو رغبة عاطفية.

أي ما نشهده اليوم يعكس ما أثبتته الأبحاث النفسية: الناس تميل لتصديق ما يؤكد وجهة نظرها، وليس بالضرورة ما يعكس الحقيقة.

إن مقاومة التضليل لا تعني التخلي عن الموقف أو العاطفة، بل تعني الحفاظ على النزاهة والوعي. فالحقيقة، حتى في زمن الحرب، تظل خط الدفاع الأهم أمام انهيار الثقة والانزلاق في وهم جماعي لا يقل خطراً عن العنف المسلح.

واليوم نحن نرى بأُم أعيننا، كيف أن التضليل المعلوماتي يموج بالجماهير كما تفعل الأمواج العاتية بقاربٍ صغير، وأصبحت مهمة الجمهور في كشف الحقيقة أكثر تعقيداً بسبب انحيازهم العقائدي والسياسي وأيضاً بسبب عدم قدرتهم التعامل مع انفجار تداول المعلومات التي ساهمت في صناعته تقنيات الذكاء الاصطناعي.

نتفهّم الموقف من العدو، وأي معلومة سلبيّة بحقهِ تجعلنا نشعر بالفرح والسرور، لكن نشر التضليل المبني على لحظة نشوة تجاه طرف من أطراف الحرب والشعور بالارتياح والسعادة قد ينقلب إلى حالة خيبة إذا ما جاء الواقع بخلاف ذلك، أيضاً تسبب الإحباط إذا ما كانت النتائج في ما بعد مختلفة.

والحقيقة المرّة أن وسائل إعلام تحاول تكريس صورة ما لدى المتابع، فالفرد الذي لا يعي بدقة متناهية السياسات الإعلامية، يكون ضحية وذو حديّة في موقفه، خصوصاً في ظل تصاعد الاستقطاب السياسي والإعلامي بين الدول عبر وسائل الإعلام، الشيء الذي يجعلنا نذهب أولاً إلى دراسة علم النفس الاجتماعي والسياسي ودوره في تشكيل إدراك الأفراد للواقع وكيفية تشكيل معتقدات الأفراد واستخدام السُبل المضللة لترويجها .

 

ما هو الحل ؟

هو محو الأمية الإعلامية كوسيلة حماية للوعي العام، وأن تتبنى كل مؤسسات الدولة ملف التربية الإعلامية ليتصدّر المشهد العام ويكون هو الشغل الشاغل في الفضاء العام وأن تقدّم كل مؤسسة الدعم لهذا الملف بطريقتها ومن خلال دورها وجمهورها.

أيضاً برامج تدريبية تُبث في كل وسائل الإعلام وليس فقط بالمناهج، يقدمها مدربون محترفون يحظون بقبول عام، يكشفون بالدليل والأمثلة الحيّة كيف يمكن الفصل بين الموقف الشخصي وبين قدسيّة الحقيقة في المعلومات، كما يكشفون الطرق التي يمكن من خلالها عدم الخضوع للعاطفة عند تحليل وتفسير المحتوى والتأكّد منه قبل نقله أيضاً تعريف المجتمع في كيفية كشف استخدام الذكاء الصناعي في صناعة المحتوى وتعميم ألعاب إلكترونية موجّهة للأطفال تغرس فيهم ثقافة الكشف عن الحقيقة.
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS