شامخ السمور يكتب : بين التعيين والانتخاب… لا تُطفئوا شعلة التحديث!

صوت الحق -
بين التعيين والانتخاب… لا تُطفئوا شعلة التحديث!
"كيف نسعى إلى حكومات منتخبة، ثم نفكر في تعيين رؤساء البلديات؟ الإصلاح لا يكون بالعودة إلى الوراء."
في الوقت الذي نتحدث فيه عن تحديث سياسي يقودنا نحو حكومات حزبية منتخبة، تطفو على السطح فكرة غريبة تقول: لنعيّن رؤساء البلديات بدل انتخابهم!
وهنا، يتساءل الأردني: إذا كنا نتحدث عن توسيع المشاركة، فكيف نبدأ بتقليصها؟ وإذا كانت الرؤية الملكية تتجه نحو تمكين الناس، فكيف نمنعهم من أبسط أشكال المشاركة وهي اختيار من يدير شؤون مدينتهم أو قريتهم؟
الانتخاب ليس ترفًا سياسيًا ولا مشهدًا ديمقراطيًا للاستهلاك الإعلامي. إنه حق دستوري ومبدأ في صميم مشروع الدولة الحديثة. التراجع عنه ليس مجرد تعديل في قانون، بل هو تراجع في الإيمان بفكرة المشاركة الشعبية نفسها. فحين يفقد المواطن صوته في اختيار من يخدمه، يفقد في الوقت ذاته ثقته بأن صوته يمكن أن يغيّر.
منذ سنوات، والملك عبدالله الثاني يتحدث بوضوح عن حكومات برلمانية منتخبة تنبثق من صناديق الاقتراع، عن انتقال تدريجي ومدروس نحو تمثيل حقيقي يعكس إرادة الناس. فهل من المنطق أن نتحدث عن "حكومة منتخبة" في العاصمة، بينما نعيّن "رئيس بلدية" في مدينة؟ هذا تناقض صريح مع الرؤية الملكية، ومع أبسط قواعد التطور السياسي التي تبني عليها الدول الحديثة مؤسساتها.
التعيين لا يُنقذ البلديات، بل يعيدها إلى منطق التنفيع والمحاصصة الذي أنهك الإدارة العامة لعقود. التجارب علمتنا أن المناصب التي تُمنح بالولاء لا تنتج كفاءة ولا تخطيطًا، بل تُعيد إنتاج الفشل بأشكال جديدة. البلديات لا تحتاج إلى قرار تعيين، بل إلى قرار إصلاح حقيقي: تمويل مستقر، وصلاحيات واسعة، ورقابة فعّالة.
أما من يقول إن الانتخابات تُفرز رؤساء ضعفاء أو غير أكفاء، فليتذكر أن الحل ليس في حرمان الناس من الاختيار، بل في رفع شروط الترشح، وتفعيل الرقابة، وتعزيز الوعي الانتخابي. فالإصلاح لا يكون بإلغاء الآلية الديمقراطية، بل بتحسينها. الديمقراطية تتطور بالتجربة، لا بالإلغاء.
والأخطر من ذلك أن التعيين سيفتح الباب لتداخل الأدوار بين النواب والبلديات. فعندما يُعيّن الرئيس، سيصبح النائب هو بوابة المواطن إلى البلدية، وسنعود مجددًا إلى معادلة "الخدمات مقابل الولاء"، بينما نحن اليوم أحوج ما نكون إلى نائب تشريعي ورقيب حقيقي، لا إلى نائب خدمات.
الرئيس المنتخب أدرى بمشكلات منطقته، لأنه يعيشها، يسمعها، ويراها. يعرف طرقها المكسّرة وشوارعها المظلمة، ويشعر بحرارة صيفها وبرد شتائها. أما الرئيس المعيّن، فيعرفها من التقارير.
الإصلاح السياسي الذي بدأناه لا يحتمل الالتفاف. والانتخاب هو جوهر هذا الإصلاح، لا هامشه. فالديمقراطية لا تُبنى بالقرارات السريعة، بل بالثقة، والثقة لا تُمنح من فوق… بل تُصنع من تحت، من صندوق الاقتراع.
التعيين يمنح المنصب… أما الانتخاب فيمنح الشرعية.
ولن تُبنى دولة حديثة بلا شرعية شعبية حقيقية.
شامخ حكم محمد السمور