العالم بعد غزة… إما إصلاح أو سقوط حر

{title}
صوت الحق -

 بقلم الدكتور طلال أبو غزالة

أيها العالم الحر.. بينما حمم المجرمين تنهال على أهل الحق، ما تذر شيئا أتت عليه إلا جعلته كالرميم، واختارت أروقة الأمم المتحدة الصمت. العالم أحصى الشهداء، والمباني المدمرة، واستهداف مقومات الحياة واستخدام الجوع والتهجير كسلاح حرب، وفي المقابل رد بتصريحات باردة، وكأنها نشرات جوية لا سجلات موت.


الحرب الوحشية التي يشنها الكيان المحتل منذ 23 شهرا، لم تكشف فقط حجم الحقد والكراهية والإجرام، بل عرّت أيضا المنظومة الدولية التي بدت وكأنها فقدت توازنها الأخلاقي، فالتعددية لم تعد مجرد مفهوم مأزوم، بل تحولت إلى عبء، شعار بلا قيمة أمام دماء الشهداء.


لقد حذرت مرارا من أن النظام الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية يظهر اليوم وكأنه يتداعى، لا بسبب عدو خارجي، بل لأنه غاب عن دوره الأصلي، والمأساة الإنسانية في غزة لم تكن نتيجة ضعف في الأداء، بل إنها انهيار أخلاقي كامل.


الصورة أيها السادة واضحة: دمار هائل وأحياء كاملة سُويت بالأرض، وتحولت البنية التحتية إلى أنقاض بأكثر من 45 مليون طن، ومُحيت عوائل ومجتمعات بأكملها من الخريطة، وفي المقابل مندوب دائم يكرر حق ما يسميها دولة في "الدفاع عن نفسها”، أي عار أعمق من هذا.


صحيح أن التعددية الدولية تعاني منذ عقود والانتقال من أحادية القطبية إلى صراع ثنائي أصاب المؤسسات بالشلل، لكن العجز شيء، والتواطؤ بالصمت شيء آخر.


في هذا النظام، تحكم حسابات الربح والخسارة، ويغدو التعاون مخاطرة، حتى عندما يكون الهدف إنقاذ حياة بشر، وفي قلب هذا المشهد، بدت الأمم المتحدة مؤسسة متعبة، مجلس أمنها مشلول بالفيتو، وجمعيتها العامة بلا أدوات فعالة. الإصلاح لم يعد يحتمل الانتظار، بل ضرورة فإصلاح مجلس الأمن أولوية، من خلال توسيع العضوية، تقليص استخدام الفيتو، خاصة في القضايا الإنسانية، فأقل ما يمكن فعله هو منع القتل باسم القانون. غزة لم تكن مجرد مأساة إنسانية، بل لحظة اختبار للنظام الدولي فأظهرت العجز، والنفاق، والخوف، والتواطؤ.


أيها العالم الحر عندما تباد الحياة أمام الكاميرات، لا يعود الحياد فضيلة، بل شكلًا من أشكال الخيانة، تمهيدا لنظام دولي يتهاوى تحت أنقاض المدن المنكوبة. بعد غزة، لم تعد الكلمات مقنعة، الأفعال والمواقف المشرفة وحدها تمنح أي طرف حق التحدث باسم الإنسانية، وهنا لا بد من الإشادة دوما بمواقف الأصدقاء والإخوة في جنوب افريقيا وللدول الثلاث التي فتحت ثغرة صغيرة في جدار التواطؤ، إسبانيا، أيرلندا، والنرويج بينما تظل العواصم الأوروبية الكبرى باريس وبرلين ولندن تصف الجرائم من دون تسمية للجاني، وترفض سلوك الكيان مع الحفاظ على العلاقات، وتوقع اتفاقيات بمليارات، ثم تذرف الدموع على صور الأطفال تحت الركام.

تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS