هدى غانم تكتب : خاطرة تربوية

{title}
صوت الحق -
هدى محمد غانم

بعد مرور سنوات كثيرة على مغادرتي مقاعد المدرسة كطالبة، وعدة مواقف مدرسية على المستوى الشخصي، تأكدت تماماً من دور المعلم في تكوين توجهات الطالب وأثره في انارة شمعة على طريق تحصيله الأكاديمي. 

فمعلمتي لمادة الرياضيات في الصف الثالث، بأسلوبها القاسي وتعاملها مع الطلاب كمذنبين تعاقبهم بصعوبة المادة وتقيدهم بحبال الأرقام الصغيرة، أنمت في داخلي كرهاً لهذه المادة رغم أهميتها. فقد كانت تزمجر لا تشرح وتملأ عقولنا كأوعية هشة، سامحها الله. 

وفي المقابل، في المرحلة الثانوية، تلقفتني أيدٍ حنونة لمعلمة مادة اللغة الإنجليزية، فابتسامتها تفرض الإصغاء، وبأسلوبها الشيق تحفز التفاعل، فقد كانت حصصها سمفونية عذبة تتغنى بها عقولنا، فوقعتُ في حبّ هذه المادة. وبتشجيعها على دراسة تخصص اللغة الانجليزية وتوضيح أهميته في حياتنا العملية والعلمية، قررتُ أي طريق أسلك، وأن الفرع الأدبي هو ما يناسب تخصصي الجامعي بعد ذلك، وبه أهرب من كرهي للرياضيات المرعبة!
وبالفعل كان ذلك. 

وأنهيتُ سنوات جامعتي بتخصص اللغة الإنجليزية وآدابها. وبعد ذلك، كان "البيان الشخصي" الذي قدمته وعلى إثره قُبلت في أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين عن أثر المعلم ودور معلمتي في اختيار تخصصي ووضوح طريقي الأكاديمي وتفوقي فيه. وفي هذا الصرح التربوي، تأطرت مفاهيمي عن دور المعلم بنظريات علمية ودراسات مهمة أكدت أن المعلم هو الموجّه وأن هذا المنصب السامي لا يجب أن يُنال إلا باحترافية وفهم عميق لأدوار المعلم وسلوكاته التي ترتكز على أن الطالب هو محور العملية التعليمية، فنحن نتعلم لنعلم، وننتهج التعليم أخلاقاً ومبادئاً لنربّي.

وفي مرحلتي الحالية، الماجستير، حدث ما لم يكن بالحسبان، فالرياضيات عادت لتتحداني وجهاً لوجه، ورغم خوفي إلا أنني استسلمتُ منذ البداية وحدثتُ نفسي أن أنجح فقط ولا أهتم بالعلامات! فلا مفرّ من عقدة الصغر!
إلا أن الحظ الجميل أشرق في هذه المادة بدكتور فاضل يمتلك من المهارة التعليمية العالية والتنظيم السلس للأفكار، فقد كان ينسجُ من كرات الإحصاء ذات الألوان المؤلمة للناظر، أوشحة دفء تطمئن الدارس وتلفّه بفهم عميق، فقد أخذ بأيدينا درجةً درجة لنصل إلى مراتب التفوق والتمكّن العلمي وتهيأتنا لإعداد أبحاث علمية بكل احترافية، وقد ختمتُ هذه المادة بعبارة: ليت دكتور "أحمد طبية" درسني الرياضيات في الصف الثالث! لاختلف منظوري لهذه المادة ولما تكونت لدي هذه العقدة. بارك الله في علمه وزاده رفعةً.
 
فكل الشكر لكل معلمٍ يضيف لطلابه حباً لمادته وعلماً متقناً وأدباً جميلاً. فالتعليم رسالة لا يتقن كتابتها إلا المعلمون المبدعون، بخطوطهم الواضحة الجذابة، ويدسّونها في عقول وقلوب طلابهم لتصل كما يجب، بكل مهنية وأخلاق عالية.

"شكراً لكل معلمة ومعلم أعطى بحب وشغف وإخلاص" -الملكة رانيا العبد الله.


بقلم/ هدى محمد غانم
معلمة لغة انجليزية