نقص الأدوية في مستشفيات وزارة الصحة وتراكم المديونية تداعيات / حلول

{title}
صوت الحق -
الدكتور نعيم الملكاوي 
تعتبر مشكلة نقص الأدوية في المستشفيات الأردنية أمرًا يتطلب انتباهًا وتدخلًا سريعًا وفعالًا ، لما يشكل تأمين الأدوية للمرضى أحد أسس الرعاية الصحية الجيدة ومن اهم استراتيجيات وزارة الصحة ، ومع ذلك ، فإن نقص الأدوية في العديد من المستشفيات يؤدي الى تحديات صحية واقتصادية واجتماعية تهدد جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى .
 ان موازنة وزارة الصحة من الادوية والامصال و المطاعيم والمستهلكات الطبية لهذه السنة 2023 قدرت بـ 103.75 مليون دينار حيث كان الفعلي للسنة الماضية 2022 مبلغ 93.8 مليون دينار . السؤال المطروح ، كيف تراكمت هذه المديونية الكبيرة على وزارة الصحة في بند الادوية بحيث وصلت الى 300 مليون دينار لشركات الادوية ؟ ولماذا الاسبوع الماضي تم صرف مديونية 2019 بمخالصة و خصم قدر بـ 50 % من اصل المديونية لتلك السنة ؟
وهذا يعني انه لا يزال هناك تأخير في دفع مستحقات الشركات عن الاعوام 2020 ، 2021 و 2022 بالاضافة الى ثمانية شهور من العام الحالي 2023 ، وهذا يقودنا الى مجموعة من الاسباب و التحديات :
1. المركزية في إدارة شراء الادوية : لما ذهبت وزارة الصحة الى توحيد عملية شراء الادوية وضمها تحت مضلة دائرة الشراء الموحد كان الهدف تقليص بيروقراطية الإجراءات والتغلب على تشعب مرجعيات الشراء في المستشفيات و مديريات الصحة في المحافظات وعدم الحصول على تفضيلات السعر و الخصم ، ولكن تشير النتائج الى وجود خلل في ادارة وآلية التعامل مع استراتيجية الشراء الموحد و المركزي ، على الرغم من هامش لإدارات المستشفيات الى استخدم صلاحية الشراء المباشر في حالات الضرورة .
2. إعداد الموازنات الفرعية للمستشفيات : تظهر الدلائل الى وجود مشكلة في إعداد الموازنات الفرعية للمستشفيات والموازنة الرئيسية لوزارة الصحة فيما يخص بند الأدوية والذي يعزى لعدم توفر البيانات الدقيقة والكافية حول اعداد المرضى واحتياجات المستشفيات من الأدوية ، وعدم التنبؤ الدقيق للاحتياجات المستقبلية المتوقعة ، مما يؤدي إلى توزيع غير فعّال ونتائج غير دقيقة في ادارة هذا البند المهم .
3. بطئ إجراءات التدقيق والمراجعة المالية : يعتبر التأخير في عمليات مراجعة المطالبات المالية والفواتير بين وزارة الصحة والمستشفيات من جهة وشركات الأدوية من جهة أخرى أحد أهم الأسباب وراء تراكم المديونية ، وهذا يؤثر بشكل سلبي على حجم السيولة لدى شركات الأدوية ويعيقها عن تقديم خدمة مستدامة في الالتزام بإجراءات توريد الادوية حسب الجدول الزمني .
4. نقص في التنسيق والتواصل: قد يكون هناك نقص في التنسيق والتواصل بين المستشفيات ووزارة الصحة وشركات الأدوية ، مما يعقد من عمليات توريد وتوزيع الأدوية ويزيد من فرص حدوث التأخير ونفاذ الادوية من المستشفيات في ضل عدم وجود سياسة فاعلة لإدارة المخزون والفترة الزمنية اللازمة لكفاية المخزون .
5. التركيز على اسماء تجارية لادوية معينة من مصادر انتاج محددة وعدم اعتماد بروتوكول كتابة الاسم العلمي لوصفات المرضى .
6. ومن الاسباب التي قد تكون رئيسية ومهمة بنفس الوقت الا وهو الجانب التمويلي وعدم توفر المخصصات اللازمة او استخدامها في اوجه اخرى غير الادوية لسد عجز ما او طارئ ما اثناء استخدام بنود الموازنة نظراً لشح السيولة المتاحة ومن اهم هذه الاحداث الطارئة تأثرنا بجائحة كورونا التي تحمل القطاع الطبي بكل مكوناته عبئاً ثقيلاَ في الفترة التي شهدت التأخر في دفع المستحقات المالية لشركات الادوية مما كان له انعكاساَ على توريد وتأمين المستشفيات بالادوية .
مما لا شك فيه ان نقص الأدوية يؤدي الى :
1. تهديد لسلامة المرضى: يعرض نقص الأدوية الأشخاص المرضى للخطر، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تأخير في تلقي العلاج الضروري أو عدم توفر الأدوية الحيوية ، مما يعرض حياتهم للخطر.
2. تداعيات اقتصادية : يترتب على نقص الأدوية تكاليف اقتصادية إضافية على النظام الصحي والمرضى . قد يتم تحويل حالات طبية إلى مراكز طبية أخرى أو مستشفيات خاصة، مما يزيد من الضغط على البنود الاخرى لموازنة وزارة الصحة .
3. ضغط على العاملين في الرعاية الصحية: يتعرض العاملون في الرعاية الصحية إلى ضغوط نتيجة للتعامل مع المرضى المتضررين من نقص الأدوية والمواجهة المتكررة لاستفساراتهم وشكاويهم.
4. تداعيات اجتماعية :
 زيادة في القلق والضغوط النفسية: يمكن أن يؤدي نقص الأدوية إلى زيادة في القلق والضغوط النفسية بين المرضى وأسرهم، حيث يعيشون في حالة من عدم اليقين بشأن توفر العلاج اللازم.
 انخفاض مستوى الثقة في النظام الصحي : يمكن أن يؤثر نقص الأدوية على مستوى الثقة في النظام الصحي بين المواطنين ، الذي قد يشعرهم بأن النظام غير قادر على توفير الرعاية الصحية الكافية لهم .
 زيادة في التكاليف والاعباء الاجتماعية : قد يضطر بعض المرضى إلى تحمل تكاليف إضافية للحصول على الأدوية من مصادر أخرى خارج المستشفيات ، مما يؤثر على حالتهم المالية والاقتصادية.
وبعد كل هذا السرد لا بد من سبل لتخطي هذه المعضلات :
1. إعداد الموازنات بشكل علمي و احترافي : يجب على المستشفيات تطوير معايير أكثر دقة لإعداد الموازنات الفرعية للأدوية ، وذلك من خلال تحليل البيانات السابقة وتقدير الاحتياجات المستقبلية وغيرها من الاسس العلمية والمنهجية في اعداد الموازنات والالتزام بتطبيقها بشكل دقيق .
2. تحسين التنسيق والتواصل بين الاطراف : يجب تعزيز التنسيق بين وزارة الصحة والمستشفيات وشركات الأدوية من خلال إنشاء آليات منظمة لتبادل المعلومات ومراجعة الفواتير وانجاز المطالبات وعدم تأخيرها.
3. تنفيذ الإصلاحات المالية: ينبغي للحكومة ووزارة الصحة تنفيذ إصلاحات مالية تتيح توفير التمويل اللازم لتغطية هذا البند المهم ودفع المستحقات في الوقت المناسب ، وتقليل البيروقراطية في مسارعملية المراجعة المالية والتدقيق ، والسير بإجراءات الدفع ضمن آلية الجدول الزمني المتفق عليها في شروط العطاءات .
4. تحقيق المسؤولية الاجتماعية: يجب على الحكومة وشركات الأدوية تبني مسؤولية اجتماعية اتجاه المرضى عن طريق توفير هذه الأدوية وتخفيض أسعارها في السوق لجعلها أكثر يسرة للمرضى فيما يخفف جزء من الضغط والعبئ على المستشفيات .
ان معالجة مشكلة نقص الأدوية في المستشفيات الحكومية تتطلب تعاونًا شاملاً بين جميع الأطراف المعنية من حكومة ، وزارة الصحة ، مستشفيات ، موردين الادوية ومرضى . لتوفير الأدوية بشكل دائم وضمان تقديم رعاية صحية عالية الجودة للمريض الاردني .