خالد نزال يكتب : سفينة ما دلين .. الإنسانية تُقيد بالأصفاد في عرض البحر

{title}
صوت الحق -
بقلم : خالد سعيد نزال                

في مشهد يعيد إلى الأذهان جريمة الاعتداء على سفينة مرمرة الزرقاء عام 2010، أقدمت قوات كوماندوز إسرائيلية، مؤخرًا، على اعتراض سفينة ما دلين في المياه الدولية واعتقال طاقمها المكوّن من 12 متضامنًا دوليًا. السفينة، التي لم تكن تحمل سلاحًا، ولا أي تهديد، إنما مساعدات إنسانية وطبية بحتة كانت في طريقها إلى قطاع غزة المحاصر، تعرّضت لانتهاك صارخ للقانون الدولي، ولقيم الإنسانية، على مرأى ومسمع من العالم.

قرصنة رسمية في المياه الدولية

لا لبس قانوني في الواقعة: سفينة مدنية، تحمل علمًا أجنبيًا، في المياه الدولية، وعلى متنها طاقم غير مسلح ومتطوعون يعملون في مجال الإغاثة، تُقتحم من قبل وحدة عسكرية إسرائيلية، وتُجبر على التوجه قسرًا إلى ميناء أسدود. هذا الفعل يُصنف في القانون الدولي البحري كـ قرصنة رسمية، ويشكّل جريمة عدوان تنتهك سيادة الدول وحقوق الأفراد.

ومع ذلك، فإن الرد الدولي كان، كالعادة، باردًا، صامتًا، مائعًا، يُغلف الجريمة بعبارات "القلق”، و”الدعوة إلى التهدئة”، بينما يواصل الكيان الإسرائيلي فرض حصاره الخانق على أكثر من 2.3 مليون إنسان في غزة، ويمنع عنهم الغذاء والدواء والماء والكهرباء، في خرق واضح لمعاهدة جنيف الرابعة، ومعايير القانون الإنساني الدولي.

أسئلة للضمير الدولي والعربي: إلى متى الصمت؟
كيف يمكن تفسير هذا الصمت الدولي تجاه عملية عسكرية ضد مدنيين في المياه الدولية؟
ما الذي يمنع الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف واضح يدين هذه الجريمة؟
لماذا لا تتحرك الدول الإسلامية والعربية بشكل فاعل لردع هذا التغول؟
ماذا تبقى من القيم الإنسانية حين يُعامل المتضامنون مع المحاصرين كمجرمين، وتُكافأ القوة الغاشمة بالتطبيع والدعم العسكري والسياسي؟

هذه الأسئلة ليست موجهة فقط إلى السياسيين، بل إلى الضمير الجمعي العالمي، إلى الشعوب، إلى المؤسسات، إلى المثقفين والإعلاميين والنشطاء.

تداعيات الحادثة: من الكيان إلى الشارع العربي

1. داخل المجتمع الإسرائيلي

من الواضح أن الاحتلال لم يعد يكترث حتى لصورة دولية. هذا التصعيد يشير إلى تعاظم الاستعلاء العنصري والعقيدة الأمنية القائمة على سحق كل من يجرؤ على كسر الحصار أو مجرد التضامن مع الفلسطينيين. هذه السياسة تعمق عزلة إسرائيل المعنوية، حتى وإن بدت محصنة دبلوماسيًا واقتصاديًا.

2. في الشارع العربي والإسلامي

بين الغضب الشعبي العارم في بعض المناطق، والصمت الرسمي في أخرى، تتجلى فجوة كبرى بين الشعوب والأنظمة. فبينما خرجت مظاهرات محدودة تطالب بفك الحصار عن غزة والإفراج عن المتضامنين، لم نرَ مواقف دبلوماسية عربية جادة تستدعي السفراء أو تتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن أو حتى تُعلق اتفاقيات التطبيع كحد أدنى.

3. موقف المؤسسات الدولية

منظمات حقوق الإنسان كـ هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية ربما تصدر تقاريرها لاحقًا، لكن تأثيرها على القرار السياسي يظل محدودًا، ما لم يُترجم إلى ضغط دولي حقيقي. الأسئلة هنا تُطرح حول فعالية هذه المؤسسات في مواجهة الاحتلال، وهل باتت عاجزة أمام ميزان القوى السياسية المنحاز لصالح إسرائيل؟

ما دلين: ليست مجرد سفينة

ما دلين ليست مجرد سفينة؛ إنها عنوان للضمير الإنساني، وصورة حية للمواجهة بين القيم والمصالح، بين الإنسانية والهيمنة. من اعتلوا ظهرها، كانوا يحملون الأمل، الرسالة، والكرامة. واليوم، وقد قيدت حريتهم، فإن كل من يصمت عن هذا الانتهاك، شريك في الجريمة.

ما جرى لـ ما دلين ليس حادثًا عابرًا. إنه جرس إنذار أخلاقي، ينبهنا أن المحاصرين في غزة ليسوا وحدهم، بل كل من يرفض الظلم أصبح مستهدفًا، وكل من يحاول كسر جدران الصمت قد يُعتقل، أو يُغتال رمزيًا.
تصميم و تطوير : VERTEX WEB SOLUTIONS