التمكين الإداري في الأردن: بين الرؤية الإصلاحية والتحديات المؤسسية

صوت الحق -
بقلم: غيث القرالة
يشكل التمكين الإداري أحد أبرز محاور الإصلاح المؤسسي في الأردن لما له من دور محوري في رفع كفاءة الجهاز الحكومي وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. ومع تسارع المتغيرات العالمية والإقليمية باتت الحاجة إلى تمكين الموظفين وتطوير قدراتهم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى إذ لم يعد بالإمكان مواكبة تحديات التنمية المستدامة والتحول الرقمي دون تعزيز ثقة العاملين بأنفسهم ومنحهم الأدوات والصلاحيات اللازمة للمبادرة واتخاذ القرار.
وقد تبنت الحكومة الأردنية خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الخطوات الاستراتيجية لتعزيز ثقافة التمكين في الإدارة العامة شملت تحسين البيئة التشريعية والتنظيمية بما يضمن توسيع صلاحيات الموظفين وتعزيز مبدأ المساءلة والشفافية إلى جانب الاستثمار في التحول الرقمي حيث طورت أنظمة إلكترونية متقدمة ساعدت في تسهيل اتخاذ القرار وتسريع إنجاز المعاملات كما تم إطلاق خارطة طريق لتحديث القطاع العام ركزت على تقليص البيروقراطية ورفع كفاءة الأداء وتحديث التشريعات فضلاً عن تطوير الكوادر البشرية من خلال برامج نوعية مثل برنامج قادة المستقبل وبرامج تمكين المرأة في المناصب القيادية.
وفي السياق ذاته إن التمكين الإداري لا ينعكس فقط على تحسين مؤشرات الأداء المؤسسي بل يسهم أيضاً في تعزيز ثقة المواطن بالدولة من خلال إشراك الموظفين في صنع القرار وتحفيزهم على الابتكار في مواجهة التحديات اليومية كما يساهم في تحسين بيئة العمل وزيادة الرضا الوظيفي وتفريغ الإدارة العليا للتخطيط الاستراتيجي بدلاً من الانشغال بالتفاصيل التشغيلية، وهو ما يسهم في رفع وتيرة الإنجاز وتجاوز العقبات البيروقراطية التقليدية.
علاوة على ذلك لا يمكن الحديث عن التمكين الإداري دون التوقف عند جهود الدولة في تعزيز مشاركة المرأة في العمل العام حيث تم إقرار سياسات هدفت إلى تعزيز دورها في المواقع الإدارية والقيادية عبر تدريب وتأهيل القيادات النسائية وتوسيع فرصهن في اتخاذ القرار وهو ما انعكس تدريجياً في وجود المرأة في مواقع صنع القرار داخل العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة.
وبالرغم مما تحقق لا تزال بعض التحديات تقف عائقاً أمام الوصول إلى نموذج تمكين إداري ناضج وفاعل فهناك فجوة لا يمكن إنكارها في ثقافة التشاركية داخل بعض المؤسسات حيث يفضل بعض المديرين التمسك بالنمط المركزي في الإدارة وعدم تفويض الصلاحيات، وهو ما يحد من قدرات الكوادر ويكبح روح المبادرة كما أن نقص البرامج التحفيزية وغياب منظومة متكاملة للمكافآت إضافة إلى ضعف بعض القدرات التدريبية تشكل جميعها عقبات أمام بناء بيئة تمكينية حقيقية.
جملة القول،،، إن التمكين الإداري في الأردن يمثل خطوة جريئة نحو تحسين كفاءة المؤسسات وتعزيز الاقتصاد الوطني ولكن نجاح هذه الخطوة مرهون بوجود إرادة حقيقية في ترسيخ ثقافة التمكين وتوسيع الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والعمل على معالجة التحديات الهيكلية من خلال استراتيجيات واقعية ومستدامة فالموظف الممكن ليس فقط أداة تنفيذ بل شريك فاعل في التغيير وصناعة القرار وهو مفتاح التحول الإداري الذي تنشده الدولة في مسيرتها نحو التحديث.